لا يمكن تجاوزه الـتـبـذيــر والإســــراف فــي رمــضان.. ابتعـاد عـنالسلوك الصحيح وانشغال في الاستعراض المجتمعي
يحمل شهر رمضان في طياته جميع قيم المحبة والتسامح، إلا أن الكثير من الصائمين لا يتخلون عن بعض العادات والتقاليد غير المناسبة في هذا الشهر الفضيل، لنجد الكثير من العادات والتقاليد المحببة التي نفتقدها في أشهر العام في هذا الشهر فقط، وفي المقابل نجد الكثير من التقاليد السلبية التي لا تتناسب مع شهر التسامح، لعل أبرزها ما يسمى حمى التبذير والإسراف، إضافة إلى العصبية المفرطة وتقلّب المزاج اللتين تترافقان مع هذا الشهر تحت ذريعة الجوع والعطش، الأمر الذي يبتعد كل البعد عن الهدف المبتغى من الصيام وهو الصبر وتحمّل الشدائد.
عادات سيئة
ومما لا شك به أن الظروف المعيشية الصعبة التي نعيشها اليوم لم تترك منزلاً إلا وتأثر بها، إلا أننا في شهر رمضان نلحظ العكس، وكأن رواتب الموظفين ازدادت في هذا الشهر حصراً، إذ نجد التفنن في أصناف الطعام في كل يوم، ناهيك عن الحلويات والمشروبات التي تبدأ مع انتهاء الإفطار وتنتهي مع انتهاء فترة السحور، لنجد الصائمين في حالة من التخمة، والنعاس، وسوء الصحة في هذا الشهر، وهو يتنافى مع مقولة: “صوموا تصحوا”، في المقابل تكثر الخلافات والمشاحنات الاجتماعية سواء داخل المنزل أو خارجه، ليكون التبرير الوحيد بصعوبة الانقطاع عن الطعام والشراب، وغلاء الأسعار المخيف في هذا الشهر، ليحمّل الصائم جميع من حوله ضريبة صيامه، متناسياً أن هذا الشهر هو شهر التسامح، والمحبة، وتوطيد أواصر القربى لا العصبية والنفور والخلافات التي تُفقد الصائم ثواب صيامه.
رقابة وتوجيه
يغيب في شهر رمضان عن ذهن الكثيرين أن الهدف من هذا الشهر هو الإحساس بالآخرين، خاصة الفقراء الذين يمثّلون الأغلبية خلال سنوات الأزمة، ليصيبهم وباء التفاخر والتلذذ بما تحمله موائدهم من أطباق، والتي تصبح الشغل الشاغل للجميع، خاصة فئة النساء، إذ وجدت الدكتورة رشا شعبان أنه مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بات الهم الشاغل للنساء خلال شهر رمضان التساؤل عن أطباق رمضان، وإنشاء مجموعات خاصة للنقاش حول ما سيقمن بتحضيره في كل يوم، والتفنن بنشر الصور، والتفاخر بأشهى المأكولات التي يذهب نصفها للحاويات بعد التقاط الصور لها من كافة الجوانب، إذ لا تكتفي تلك النسوة بتحضير أنواع كثيرة، بل الإسراف في كمية الوجبات المحضّرة، الأمر الذي يعتبر إسرافاً وتبذيراً، وهو ما يرفضه الدين والشرع، ولا شك أن الأسرة قادرة على ذلك من خلال وضع ميزانية محددة تلبي طلباتها ضمن المعقول في شهر رمضان بعيداً عن مظاهر الإسراف، وهذا يتطلب الرقابة والتوجيه بدءاً من سلطة الأب في المنزل، وانتهاء بدور الإعلام في توجيه الأسر لثقافة الاستهلاك المعتدلة، ودعا الدكتور عبد الرزاق المؤنس، “معاون وزير الأوقاف سابقاً”، إلى الإقلال قدر المستطاع من أنواع الطعام، وقضاء هذا الشهر على المتيسر من الأطعمة الموجودة، وذلك للوصول إلى الغاية المرجوّة من شهر الفضيلة، فالزيادة في الطعام تضعف النفس عن ممارسة العبادة، والمعروف عن شهر رمضان أنه شهر العبادة لا شهر إلقاء نعم الله في القمامة، وحرمان الفقراء من الاستفادة منها، فإلقاء الطعام بهذه الطريقة هو نوع من التبذير وهو مرفوض شرعاً، وأكد المؤنس على ضرورة الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة من بعده في سلوكهم ونفقاتهم في شهر رمضان، واستشهد المؤنس في كلامه بالحديث النبوي الذي يقول: “من فطّر صائماً فله مثل أجره”، كما تحدث المؤنس عن المزاجية والعصبية التي تزداد في شهر رمضان، حيث أكد أن ما نراه اليوم من تعصيب ونفور عند الصائمين يدل على أن الصوم صار تقليداً وليس تهذيباً تربوياً بحكمة العبادة، لأن العبادات ليست لأجل العبادات، فالله تعالى لا يحتاج إلى صيامنا وإطاعتنا، وإنما هي تكريس لحياة الإنسان نحو البناء والمشاركة والإيثار وصنع المبادرات الكريمة في المجتمع والوطن، فالله غني عن العالمين، وهذه العبادات للخلق وليس لله، والهدف من الصوم هو تقوية الإيمان، ثم تحقيق الوقاية على كل المستويات، ونوّه المؤنس إلى أنه إذا كانت الوسيلة الإيمانية صحيحة فسوف يتحقق الهدف الصحيح، في حين إذا كان إيمان الفرد ظاهرياً وليس حقيقياً فبذلك لا يمكن تحقيق الهدف من الصوم.
الابتسامة صدقة
إذا نظرنا للعادات نرى أن هناك من الشعوب من يأكلون وجبة، أو ثلاث وجبات، ومنهم من يأكلون حتى الشبع، أو عدم الشبع، وبالتالي القضية هي قضية عادة، وكما اعتدنا على العادة السيئة فالأصل أن نعتاد على العادة الحسنة، فإذا كانت هناك مجموعة عادات ألفناها واعتدنا عليها، تظهر هنا عظمة الصوم، وهو لا يجعل لحياة الإنسان رتابة معينة، فالصيام هو ليس صياماً للمعدة فقط، وإنما هي حالة تنمي عند الصائم استطاعة ضبط النفس، لذلك مثلما نحن قادرون على ضبط أنفسنا دون طعام وشراب، يجب أن نملك القدرة على ضبط عصبيتنا، فالابتسامة في وجه المسلم صدقة.
ميس بركات