السعودية و”إسرائيل”.. خطوات معلنة في طريق التطبيع الرسمي
المستشار رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات سابقاً
خلال السنوات الثلاث الأخيرة أصبح هناك أكثر من مسوّغ وأكثر من فرصة لتطبيع رسميّ معلن بين السعودية و”إسرائيل”، وقد بدت مظاهر هذا التقارب غاية بالوضوح والفجاجة في ساحات الحرب على سورية والموقف المشترك من الملف النووي الإيراني، وباتت أكثر وقاحة من خلال بعض اللقاءات العلنية بين بعض كبار مسؤولي الطرفين في الأيام الأخيرة.
لذلك فإن عباءة العروبة التي يلبسها بنو سعود هي عبارة عن ستار كشفته أفعالهم المشينة ومواقفهم المشبوهة، فلا عجب اليوم من لقاءاتهم مع الصهاينة في “تل أبيب” بعد أن دفعوا خسائر العدو الصهيوني في حرب الخامس من حزيران عام 1967 من خلال صفقة أُبرمت مع هذا العدو سرّاً لإسقاط دولة عبد الناصر في مصر ودولة سورية آنذاك، اللتين يرى فيهما العدو الصهيوني خطراً على كيانه في فلسطين إذا ما استمر، وهناك عشرات اللقاءات التي جمعت ساسة “إسرائيليين” بقادة من السعودية، وكان فحواها المساومة على الحق الفلسطيني الذي تغتصبه “إسرائيل” إلى جانب حقوق عربية أخرى.
بادرت السعودية علناً تجاه “إسرائيل” وكان ذلك تحديداً في عام 2008 حيث خطت خطوتين واسعتين جدّاً باتجاه المجاهرة بالتقارب مع “إسرائيل”. كانت الخطوة الأولى مع مؤتمر حوار الأديان الذي نظّمته السعودية في العاصمة الإسبانية مدريد وكانت “إسرائيل” أبرز المشاركين فيه وبدعوة رسمية من بني سعود الذين أنكروا الدعوة حينها، معتقدين أن الجمهور العربي من السذاجة لدرجة أنه لا يعرف أن مؤتمرات دولية كهذه لا يمكن لأي طرف حضورها من دون أن توجّه له دعوة رسمية. وحضر المؤتمر حاخامات إسرائيليون التقاهم الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز علناً وأمام وسائل الإعلام. وكان هذا المؤتمر المدخل والمسوّغ والغطاء لتطبيع مدروس بين السعودية و”إسرائيل”.
الخطوة الثانية كانت مع مؤتمر حوار الحضارات والأديان الذی نظّمته الأمم المتحدة في نيويورك، وشارك فيه الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى جانب رئيس الكيان الإسرائيلي آنذاك “شمعون بيريز” في سابقة تلاها مباشرة عشاء جمعهما، ولكن من دون تبادل للأحاديث والتحيات. رغم ذلك كان هذا كافياً لبدء تحضير الجمهور العربي نفسياً للقاءات وتطورات لاحقة على هذا الصعيد. ومنذ ذلك التاريخ، أي عام 2008، دفعت السعودية بعرب الجامعة عموماً، ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، أشواطاً على طريق التطبيع مع “إسرائيل” وإسقاط صفة العدو عنها وأكثر من ذلك معاداة من يعاديها والعمل على إسقاطه.
وبدءاً من عام 2008 توالت اللقاءات والمبادرات العلنية ولم تقتصر فقط على المسؤولين السعوديين، بل شملت الأبرز سلطة وتأثيراً. ففي 7 شباط من عام 2010 شهد العالم العربي أول مصافحة ومحادثة علنية ودية بين الأمير السعودي تركي الفيصل ونائب وزير الخارجية الإسرائيلية آنذاك “داني إيالون” وذلك على هامش مؤتمر ميونيخ الأمني الدولي في ألمانيا، وكانت هذه ثاني إشارة خطرة بعد مؤتمر حوار الأديان في مدريد، حيث بدأت بعدها حالة “انفتاح سعودي” معلن على “إسرائيل”.
وطوال عام 2013 كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تنشر أخباراً وتقارير عن كثافة في الزيارات التي يقوم بها مسؤولون “رفيعو المستوى” من السعودية إلى “إسرائيل”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنه لا يمكن كشف كل التفاصيل عمّا يجري، فهذه الزيارات لا تزال تتم في إطار سريّ، وهدفها تشكيل جبهة سعودية خليجية “عربية” مع “إسرائيل” ضد إيران.
ومنذ بداية عام 2014 حتى الآن لا يمرّ شهر أو أقل حتى يتسرّب إلى الإعلام، عن قصد في معظم المرات، خبر أو تصريح يشير إلى سعي السعودية إلى التقارب مع “إسرائيل”. ففي 13 نيسان 2014 كشف وزير الخارجية الإسرائيلي “أفيغدور ليبرمان” عن مباحثات سرية مع السعودية، وأنه في غضون سنة ستكون هذه المباحثات علنية. وقال: “هناك تفاهم بيننا أن العدو ليس “إسرائيل” وإنما إيران والمقاومة اللبنانية”.
بعد ذلك بدأ سيل من التصريحات الإيجابية والخطابات “المفتوحة” من جانب الرياض على لسان مسؤول الملف حول التطبيع وربطه بانسحاب الاحتلال لحدود ما قبل الخامس من حزيران عام 1967، ومحادثات ودية ومؤتمرات مشتركة ومناظرات بين الأمير السعودي تركي الفيصل ومسؤولين إسرائيليين، كلقائه برئيس الوزراء ووزير الدفاع الأسبق “إيهود باراك” ووزيرة الخارجية والعدل سابقاً “تسيبي ليفني” على هامش مؤتمر الأمن الدولي في شباط عام 2014، الذي أثنى فيه الفيصل على أسلوب إدارة “ليفني” لجلسة مناقشة حول أسس ودوافع مبدأ “يهودية الدولة” ورد “ليفني” عليه أنها تتمنى أن يشاركها المنصة وأن تتحول العلاقات السرية بين تل أبيب والرياض إلى علاقة علنية.
اللقاء الأبرز بين تركي الفيصل ومسؤولين إسرائيليين كان في حزيران عام 2014، حيث جمعته مناظرة “بعاموس يدلين”، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق ورئيس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تباحثا فيها سوياً الخطر الإيراني على دولتيهما وتفعيل المبادرة العربية للسلام ومسألة تسليح ما يُسمّى المعارضة السورية “المعتدلة”.
ولعلّ آخر وأهم اللقاءات المعلنة التي جمعت مسؤولين سعوديين وإسرائيليين كانت أواخر شهر أيلول عام 2014، حيث نشر موقع “والا” الإسرائيلي أن وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل وشقيقة تركي الفيصل كانا عرّابي لقاء عشاء جمع بين “تسيبي ليفني” وما لايقلّ عن عشرين دبلوماسياً عربياً.
لقد بات من الواضح أن الأمور بين السعودية و”إسرائيل” أخذت تتجه إلى تشكيل وبلورة تحالف أو جبهة تُسمّى “جبهة القلقين” التي يقف على رأسها رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو”. ويبدو أن النظام السعودي يحفر بالتوازي خندق الشراكة مع “إسرائيل” وخندقاً ليعزّز تثبيت مكبرات الصوت لعلّه يخرج من مآزقه التي تتكشف له تباعاً. وهو ما عدّه مراقبون خطوة في سبيل تهيئة الرأي العام العربي بعلاقات سعودية- إسرائيلية مقبلة.
في الوقت الراهن تتوفر للسعودية و”إسرائيل” ساق أخرى تساعد في تسريع وتيرة التطبيع بينهما، فبخلاف المبادرة العربية العرجاء، أتت الأزمة السورية لتستقيم خطوات الدولتين في تقاربهما العلني، فالأزمة السورية مثّلت ساحة تقاطعت فيها مصالح الرياض وتل أبيب، ليس فقط إضعاف محور المقاومة، أو حتى تسليح ودعم ما يُسمّى “المعارضة المعتدلة”، ولكن أيضاً كفرصة تعطي للنظامين نفوذاً إقليمياً أوسع، وتخرج الرياض من أزمة إقليمية وداخلية قد تقوّض أمد استمرار المملكة بشكلها الحالي، أيضاً تريح تل أبيب من همّ “الصراع العربي- الإسرائيلي” إلى الأبد، وظهير عربي في صراعها مع محور المقاومة.
إن التعاون المشبوه بين نظام بني سعود و”إسرائيل”، قديم قدم زراعة “إسرائيل” في الجسد العربي، لكن ذلك التعاون كان سريّاً ولا تكشفه إلا الوثائق التي يتم الإفراج عنها تباعاً بعد سنوات من وقوعها، أما الآن فقد أصبحت ظاهرة للعيان. فالتحالف الصهيوني- السعودي الذي ظهر على حقيقته هذه الأيام هو من أجل تدمير محور المقاومة، وتمرير المشاريع الصهيونية في المنطقة العربية على حساب حقوق الشعب العربي وخاصة الفلسطيني.