الحب الحقيقي لا يموت.. من يموت أهله فقط!
يحكى بين الناس بما يشبه البديهة، عن كون الحب الحقيقي اختفى ولم يعد موجودا! ورغم الاختلاف بمعنى الكلمة نفسها بين مختلف الشرائح العمرية، إلا أن الجميع مثلا يشهد ويبصم بالعشرة، على أن قصة “روميو وجولييت” ذائعة الصيت، هي من الأمثال العالمية الأنصع عن كون الحب الحقيقي كان موجودا ذات يوم، رغم النهاية التراجيدية للقصة الشهيرة، وربما النهاية التراجيدية هي السبب الحقيقي في الاعتبار الذي نالته عن كونها مثالا واقعيا عن “الحب الحقيقي”، وإن كانت هذه القصة هي من الأدلة الرومانسية الأنصع على ذلك رغم تراجيديتها، فهذا يعني أن الحب الحقيقي ليس موجودا فقط، بل أن حبات غبار الطلع، لا يكون اسمها هكذا ما لم تحمله على ظهرها على رهافتها وقسوته.
منذ مدة قريبة وفي مقهى الانشراح والتستوستيرون، حيث كنت أجلس في الوقت غير المناسب أبدا، عرفت أن الحب الحقيقي لا يموت أبدا وتحت خائنة عيوني وقعت وبسرعة لا تُصدق، قصة حب حقيقية جدا، بدأت عندما دخل روميو1 إلى المقهى ليجد جولييت تجلس بدلال قبالة روميو2.
روميو1 قرر الجلوس إلى الطاولة المقابلة لنظرات جولييت، وبقي يحدق فيها وفي عينيه يبرق الماضي العزيز، فيصبغ وجهه بلون دم الغزال، ما أصابها بالارتباك، الذي بدأ يشعر به روميو2، وذلك من ارتجاف يديها وشفتيها، بينما من بين كتفيها يخرج عطر جسمها الذي يُطيرُ الصواب.
روميو2 وبعد أن تطلب إليه جولييت بكل براءة، أن يعطيها مقعده ويأخذ مقعدها بحجة التكييف، بقي يشعر بزيادة ارتباك جولييت وارتفاع أعلى في نسبة الموت بدمه كما روى أحد الشهود فيما بعد، وهنا كان لها أن تخبره أن رميو1 الذي أخبرتهُ عنه في الماضي هو من يجلس مواجهاً له، و”لهيك غيرت مكاني، أكلني بعيونو” تابعت جولييت.
انتهى التحديق بين روميو1 جريح الحب، وجولييت، وانتقل ليصبح بين كل من الحبيبين المتنافسين، روميو2 يرد بنظرة أشد حدة إلى روميو1، إلا أن روميو1 لن يسكت على هذا خصوصا وأن جولييت صارت نظراتها تروح وتجيء هنا وهناك، وليرمقه بنظرة طويلة وهو يأخذ مجة متأنية من سيجارته، نظراته كانت تخترق الدخان وتصيب صدر روميو2 بينما جولييت تتلفت وعيونها تلمع.
لم يقبل روميو2 بهذه المهزلة العاطفية، وفي لحظة كما الحلم، في مشهد سينمائي بارع كما أفلام الأكشن المحترفة، أو أفلام الكابوي الكلاسيكية، وبرشاقة الموج، أطلق كل من روميو1 وروميو2 النار على بعضهما بالتوقيت ذاته، حتى أن أحدا ما من الموجودين، لم ير كيف ومتى أخرجا سلاحيهما وفعلا ما فعلا.
هدأ “الدوي” بعد أن تطايرت نتف القلوب على الطاولات وفوق البلاط، وعلى ملامح الموجودين، وبعد الزعيق والفوضى المصبوغة بالدم، وبعد الهرج والمرج بعدم تصديق ما جرى توا، وصلت الشرطة إلى المكان، كان عاشقا جولييت قد فارقا الحياة تماما، تحت ذهول نظرات الناس في المكان، وعندما هدأ الضجيج قليلا، سأل رجال الشرطة عن جولييت، لكنها لم تعد موجودة، اختفت.
هناك من الناس من عذرها، فما حصل سيتسبب بفضيحة لها قد تُنهي مستقبلها الأمومي، وهناك من حكى عن كونه شاهد ظلها يهوي من الحافة المرتفعة للمكان، يسيل مع الغروب الدامي للشمس في البحر.
كنتُ غادرت المكان بدوارٍ لا يطاق، حاولت أن أتذكر ملامح رميو1 عندما كان قادما، لقد جاء ليموت، بصدر مشقوق، وابتسامة مكسورة على شفتيه، جلس ينتظر نهاية الحكاية دون أن يحول نظراته عن التحديق ب رميو2 الذي لم يكن هذا يخطر في باله حتى، لكنه فعلها أيضا.
شابان أطلقا النار على نفسيهما من أسلحتهما النارية، انفجر قلب كل منهما في اللحظة ذاتها كرمى خاطر عيون جولييت التي اختفت دون حسم أعرفه أنا على الأقل عن ما حل بها، لكن ما أتذكره أنها كانت امرأة جميلة جدا، تستحق هذه النهاية التراجيدية جدا، لتكون قصة من أحبها -روميو 1 ورميو2-حقيقية أكثر من الخيال، وخيالية أكثر من الواقع.
أكثر ما يجري بالواقع هو ما لا يُصدق عادة.. لكن الحب الحقيقي لا يموت، بل من يموت أهله فقط!
تمّام علي بركات