ثقافةصحيفة البعث

نبأ غير عاجل

 

وحدي ولاشيء يومئ لجرس ذاكرتي أن يرن في خاطر الأزمان ومازلت هنا أقيم لا أحد يضع يده على كتفي ويربت لي، وخبري اليوم لك أنا الوحيدة هناك كشجرة فقدت ظلها وبقيت تحتضن ثمارها والمارين بها باعتناء، لذا سأنبئك بخبر عاجل ربما بحساباتي، عن صورة فوران دمي دوما وما كان ومحتم له أن يحدث هناك عند كل وقع يقتفي نبض قلبي وذاك التيه الخفي في سنوات خطاي.
سأنبئك عن ليل كان يحدث كما كان يحدث، وعن ساعة كانت تمر وكأنها لا تمر، وعن نهارات لم أجترعها في خيالات الأزمنة، عن اعتلاء تلك الياسمينة فوق شقوق حائط الغيب، وكيف تمددت تسعة أعوام إضافية باستماتة أنيقة لعطر شقي يبحث عن جدائل محبوبته كل عام.. سأنبئك عن صلصال فكري الخائف المعجون برتابة القهر اليومي، ونظرات المساكين المنبوذين عند حفاف جدران الهجران والعتمة.. عن تساؤلات غامضة، عن فجر بائس، عن شوق عقيم، عن ضحك ناقص، عن غمام ليس ناضجا، عن فستان لم يرتد غوايته، عن أنثى امتلأت شعرا مختنقا بأنوثته ولا صهيل ينصت لقوافيها، عن هواء كليم يبوح باصفرار وعدنا، عن قلة حيلة قدرتي وضجيج عمري للطيران إليك فوق الأسياج والحواجز والبواريد والمرافق.. عن انتهاكات في عبارات نصي، ومحذوفات في سرديات يومياتي، عن ذكور تغار من تصالحي وحبري، عن نساء حمقاوات يتزين لإثارة فضول توقي، وكلمات احتسيها قوتي وعزاء لنفسي، من كل هذا الجوع والحرمان من كل هذا البطلان لترانيم الحب القدوس عشقي.
سأنبئك نعم، عن كل محاولاتي، مازلت كل صباح به أشدو بمدادي، واعد أقراط توهجي بقوافي القصيدة وأوزاني السلام إليك اشتياقا يصيغ نفسه ويبهرج وجهتي إليك ووجهي بحلة جديدة تتهجى شهيق أنفاس غرام لا مرئي جعلني امتهن صناعة الضوء شمعا، وتحويل الظلام نورا يمدني بوصلك مددا.
سأنبئك عن ألم صار معلما، نعم ألمي علمني كيف اخط ذاك الأنين حروفا، وارتب ذاك الدمع ألوانا لأرسم، نعم منذ يومين تعلمت كيف ارسم حقا على وجه كل عابر يمر بك لتقرأني أنت لوحة خطتها يد الأيام بيننا، هي رُسمت بقوس قزح اللحظات والمسافات بيننا وأنت اليوم تقرأها بثوان معدودة لا تحصي دقائق صبري.
نعم تعلمت كيف أفك طلاسم ذاك الشعور الخفي كلما مر يوم وكنت به أستبيح قداديس طهري وصلوات النور لأعد أطباق السلام لكل مشتهٍ يريد أن يعرف على مر سنوات غيابك العجاف ما يحدث بي وما يجري.
اعذرني لكل هذه الأنباء المجتزأة من أخبار كثيرة حلت بي، لكني فقط أضعك في ضوء ما كان وما اعمله صمتا في إعادة تدوير الألم وتحوير دمي النازف لرؤية أكثر إيضاحا للحقيقة واشد اتقادا بوهج حبك لا تخشى طلاقة الكلام، ولا ترتعد من مجازر الغمام إن أمطرت بكلماتي حزنا، بيانا واكتمالا يهيم بي حد اتحادي بك ضوءا لا شكل له ولا قوام، يخترقك، يحتضنك، يعاتبك، يلومني ويلقي على روحي السلام، بعد أن اصعد درج المعاني ارتقاء عن كل ممنوع واقترابا من فجر محتوم لا يدرك ليله ولا به أنام لأن وجهك حاضري ولقياك ومسعاي وحسن الختام.
نعم سأنبئك وأتابع إيفادك بكل صغيرة بها مررت كيف كنت اقلب الصور كل الصور لكي أنسى، امسح عنها وعني غبار الزمان، اقلب أرقام روزنامة الوجد بينا عند كل مقام، وإن سألتني يوما عن حجم هذا كله وكيف حدث؟ سأقول لك انه قليل من كثير.. سأجيبك نعم ذاك الحزن حزني وذاك الجمر المتقد في الرماد رمادي، وان أردت الآن أن تعرف حالي، اطمئن لاشيء الآن يعكر لي صفو مزاجي سوى ترهات هذه الحرب الباردة، وسوى تلك الملاحم البطولية التي حطت فجأة في تلك الشوارع والحدائق والعبارات وأينما وحيثما كنا يوما نمشي، فأنت أدرى بطبعي اكره الأبطال الخرافيين، اكره غوايات المعجبين المعتدين بانجازات ضيمهم على الأفئدة والآخرين، اكره كل جبروت ظالم عنيد، أنت أدرى بدربي فإني من ورثاء الناس الطيبين لم تتغير بل زاد مسيري كل صباح تحديا للقيا قلوبهم وإلقاء التحية على ألقابهم البسيطة، الكثيرة الصفح والحياة القليلة العزاء والإنصاف، من خبائث كل مشاهير ومكتنزي أموال ودماء الفقراء والأبرياء، من تجار الحروب وأصحاب الجيوب التي صار شغلها الشاغل القتل ومناجاة رب الغيب ليحل بالضعفاء المزيد والمعلوم.
ماذا أخبرك هم صاروا كالندبات على الوجه، صارت الأيام هنا تجاعيد حزن صعب محوهم ومحوها، لكني كلما تقدم بي يوم أبسمل (باسم) حبك الطهور لأحصل على إكسير الحياة لي ولهم ولأولئك المكسورين الأنقياء، وارتوي من ماء عشقك نورا وشفاء من معضلة الإظلام لبلد كان اسمه بلد، وصار اسمه حلم وطن.. هل تعلم وطني وأنت بقلبي نرواغ كلينا لنحيا، يدافع ليبقى،عن أبنائي وأنبائي الصغار الكثار، علني استمر ويستمر حبنا، واليكما دوما يقص ويروي.
رشا الصالح