دراساتصحيفة البعث

مستقبل أوروبا في التكامل مع آسيا

ترجمة: عناية ناصر

عن موقع غلوبال تايمز 6/6/2019

قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مقابلة أجريت مؤخراً : إن اليقين بنظام ما بعد الحرب لم يعد قائماً وإن على أوروبا أن تعيد تموضعها لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين وروسيا والولايات المتحدة. في الواقع تعكس تصريحات ميركل انعدام الأمن في ألمانيا والارتباك الاستراتيجي في مواجهة المواقف الداخلية والخارجية.

تزايدت التناقضات الداخلية التي نشأت عن البريكست في الاتحاد الأوروبي، وهذا سيقود إلى تغيير ميزان القوى داخل الاتحاد الأوروبي بسبب خروج بريطانيا، كما سيؤدي إلى صراع على القيادة بين ألمانيا وفرنسا. لكن الأهم هو أنه بعد وصول الأحزاب الشعبوية إلى السلطة في بلدان مثل إيطاليا والنمسا ، سيتم إحياء التعصب في أوروبا، وسيزداد ميل الدول الأعضاء للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، كما سيصبح القرار الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي المتأثر بسياسة إدارة ترامب “أمريكا أولاً”، وحربها التجارية العالمية أحادية الجانب غير مؤكد، ومن المحتمل أن تفرض الولايات المتحدة رسوم جمركية على السيارات الأوروبية، أو تستخدم “نورد ستريم2” كذريعة لفرض عقوبات على الاتحاد الأوروبي ، في محاولة للتشويش على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. ومن المحتمل أيضاً أن تشن الولايات المتحدة عملاً عسكرياً ضد إيران ، مما قد يؤدي إلى كارثة جيوسياسية في الشرق الأوسط، وكل ما سبق سيؤثر بشكل خطير على الأمن في الاتحاد الأوروبي.

أما على المستوى العالمي،  يمر النظام العالمي بتغيرات هيكلية تاريخية. على الرغم من أن أوروبا تتمتع بمزايا، إلا أن افتقارها إلى المرونة الاستراتيجية قد يمنعها من إجراء التعديلات المطلوبة في الوقت المناسب. أولاً ، بعد الحرب الباردة ، شهد النظام العالمي تغيراً من النظام أحادي القطب إلى النظام ثنائي القطب. في المستقبل ، سوف يصبح العالم متعدد الأقطاب مع احتفاظ الولايات المتحدة والصين بالأولوية. في النظام أحادي القطب ، تميل البلدان غير المهيمنة إلى أن تصبح توابع للقوة الهيمنة، بينما في النظام ثنائي القطب، ستشكل مجموعة قطبية ثالثة تحت عنوان عدم الانحياز، وذلك لتقييد القوى العظمى والاستفادة من كلا الجانبين. يتمتع الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو بطابع المجموعة الثالثة ويمكن الاستفادة من ذلك. لهذا السبب دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الاستقلال الأمني لأوروبا ودعا إلى تشكيل جيش أوروبي من شأنه أن يضعف دور الناتو.

علاوة على ذلك ، في مواجهة جولة جديدة من التنافس على الحقوق الإقليمية والبحرية، يتعين على أوروبا الانخراط في التكامل الأوراسي من موقع جيو استراتيجي جديد. تمت إزالة الحواجز الجيو سياسية القديمة تدريجياً من خلال تطور التكنولوجيا. ومع الترويج لمبادرة “الحزام والطريق” التي اقترحتها الصين ، بدأ العالم المتمركز حول “الجزيرة العالمية” المترابطة في التبلور.

في هذه الخريطة الجديدة، تعد أوراسيا بمثابة اللوحة الجيوسياسية الرئيسية في “الجزيرة العالمية”، حيث تشكل جنوب شرق آسيا وأستراليا وإفريقيا والقطب الشمالي أربع لوحات جغرافية فرعية. من حيث الحضارة ، أوروبا تنفصل عن آسيا. ومع ذلك ، جغرافياً ، أوروبا هي منطقة فرعية في غرب أوراسيا. تشمل أوروبا والصين مناطق متجاورة من البر والبحر. إن تطور استراتيجية “حلف الأطلسي” البحرية الأوروبية إلى استراتيجية أرض بحرية لربط أوروبا وآسيا سيكون له تأثير عميق على خياراتها الإستراتيجية المستقبلية.

أخيراً ، بدأت معركة قيادة الثورة الصناعية الرابعة، وأكبر مثال على ذلك هو قمع الولايات المتحدة المتواصل لشركة هواوي الصينية. في السابق جعلت الثورتان الصناعية الأولى والثانية بريطانيا إمبراطورية “لا تغرب فيها الشمس أبداً”. ويعزى صعود أمريكا كمهيمنة في العالم إلى الثورتين الصناعية الثانية والثالثة. وبالمثل، من المرجح أن يصبح أولئك الذين يستغلون الفرصة التاريخية للثورة الصناعية الرابعة قوة رائدة في القرن الحادي والعشرين.

لذلك ستكون الثورة الصناعية الرابعة التي تختلف عن الثورات الصناعية الثلاث السابقة مدفوعة بسلسلة من التقنيات الجديدة وتطبيقها على الأسواق ، مثل الطاقة النظيفة والمواد الجديدة والهندسة الحيوية والذكاء الاصطناعي والاتصال الجديد (الجيل الخامس من الإنترنت).

هنا يتخلف الاتحاد الأوروبي عن الصين والولايات المتحدة ، على الأقل في اتصالات الجيل الخامس. إذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي أن يقود المعايير الفنية، فمن المفترض أن يشارك بنشاط في التكامل الأوروبي-الآسيوي لبناء السوق في المستقبل.