في ظل تأخر صدور القانون المرتقب أو اجتراح تعديلات إسعافية العامـــــل البشـــــري والثغـــــرات القانونيـــــة يقوضـــــان ضريبـــــة الدخـــــل المقطـــــوع
لاشك أن إصلاح النظام الضريبي يعتبر التحول المفصلي المنتظر في تقويم مسار النهوض بالاقتصاد الوطني، ولاسيما أنه الشريان الرئيسي المغذي لخزينة الدولة، إلا أن تأخر صدور القانون الضريبي المرتقب ساهم بفوات مبالغ مالية طائلة، وارتفاع حجم التهرب الضريبي من ضريبتي الأرباح الحقيقية والدخل المقطوع. وبالرغم من ضبط ضريبة الأرباح الحقيقية نسبياً عن طريق الاستعلام الضريبي إلا أن العامل البشري والتقدير الشخصي لا يزال يحكم نسب تقدير ضريبة الدخل المقطوع، وبالتالي بقاء الكثير من الفعاليات خارج إطار التكليف الحقيقي لأعمالها ومسرحاً للفساد والرشاوى، مع الإشارة لوجود مكلفين يحققون أرباحاً كبيرة، ولديهم سجلات منتظمة، كالجامعات والمشافي الخاصة التي تخضع لضريبة الدخل المقطوع حالياً.
توضيح
في البداية نشير إلى أن ضريبة الدخل المقطوع تضم كل شخص طبيعي أو اعتباري يمارس حرفة أو مهنة صناعية أو تجارية أو غير تجارية ولا يدخل في فئة مكلفي الأرباح الحقيقية، ويمتاز نظام الدخل المقطوع بأنه يتم على أساس تقديري تقوم به لجان التصنيف، ولايحتاج إلى مسك دفاتر منتظمة، أي أنه بسيط الإجراءات، ما يضيع جزءاً من الحصيلة ولا يقدم معلومات كافية حول تداول السلع والخدمات تمكن الدوائر الضريبية من الحد من التهرب الضريبي.
تنوعها يعوقه
يلعب العامل البشري دوراً كبيراً في فساد النظام الضريبي، وخاصة ضريبة الدخل المقطوع، كونه يعتمد على التقدير الشخصي لمراقب الدخل، وهنا يكمن الفساد، حيث يتداخل في عمله عدة اعتبارات، أهمها عدم الخبرة في تقدير الدخل المقطوع الناجم عن أرباح هذه الفعالية الاقتصادية أو تلك، فمراقب الدخل يتم تكليفه بفرض ضريبة لمنطقة معينة تشمل المحال التجارية والأطباء والصيادلة وما تحتويه من فعاليات اقتصادية، تعجز أمام تنوعها قدرة أي خبير في تقديم تقدير واقعي متناسب مع أرباحها، وقد كانت “البعث” شاهدة على تسليم أمر ضريبة دخل مقطوع لأحد محلات الألبسة المشهورة في مدينة جرمانا، بمقدار 113 ألف ليرة سورية عن كامل السنة، ولنا أن نقدر حجم دخل محلات الألبسة التي تتجاوز أرباحها 200% بشكل عام، فهل يكون التقدير واقعياً في حال أضيف إليه ماركة عالمية ومنطقة راقية..!
خلال عدة أيام حاولنا مواكبة حركة البيع والشراء في المحل، تبين بشكل جلي أن إيراداته تصل إلى حدود 50 ألف ليرة يومياً، فهل غابت عن عين المراقب المكلف أصولاً بزيارات متكررة ومفاجئة، أم تم محاباة المكلف تحت غطاء غير شرعي لتخفيض قيمة الضريبة..!
الاعتراف بسطوة العامل البشري على تقدير الضرائب لمكلفي الدخل المقطوع كانت أولى الثغرات التي أشار إليها مدير مالية ريف دمشق عامر مكي، كونها خاضعة لمرسوم رقم 10 لعام 2015 الذي أوكل مهمة تقديرها إلى المراقبين، ونص على تكليف المراقب بتقدير الضريبة لعدد من الفعاليات المتنوعة كالطبيب والصيدلي واللحام والمحلات التجارية من خلال عدد من الزيارات، لاغياً بذلك مبدأ التخصص للمراقبين المعمول خلال فترة ما قبل المرسوم، والذي تمخض عنه خبرة مهنية لدى المراقب في عمله، اكتسبها من خلال تكليفه بتقدير الضريبة لنوع محدد من المهن، تخوله إعطاء تقدير أقرب إلى الواقع بنسبة تقارب الـ80%، في حين يقوم المراقب حالياً بتقدير ضريبة دخل لشريحة واسعة من الفعاليات والمهن؛ مما يفقده الخبرة الضرورية للتقدير المناسب للضريبة، إلى جانب مساهمة عوامل نقص عدد المراقبين بالتوازي مع عدد الفعاليات الموجودة في ريف دمشق والذي يشكل ضغطاً كبيراً عليهم، وبالرغم من الزيارات الميدانية والتي تقارب ثلاث زيارات، إلا أن المراقب يخفق بالتقدير الحقيقي خاصة مع المهن الموسمية.
تقويم محدود
ورغم أن المرحلة الثانية قد تقوّم انحراف التقرير، وذلك باطلاع لجنتي الإشراف والاستئناف بوجود خبراء المهن ضمن أعضاء الأخيرة على التقارير الواردة من المراقبين، حيث تعيد دراستها وتصنيفها بحسب المهنة وأبرز الفعاليات ضمنها، وتقر قيمة الضريبة بقرار نهائي منها، والذي يحق للمكلف تقديم اعتراض عليه خلال فترة 30 يوماً، إلا أنها قد تقع بذات المطب كون التصنيف والتكليف يتم بحسب آراء الأعضاء والخبراء الشخصية.
ومن هنا تشكل معالجة الثغرات القانونية في النظام الضريبي بوابة الإصلاح في ظل تأخر صدور القانون الضريبي المرتقب، كتعديل المرسومين رقم 10 للدخل المقطوع والمرسوم رقم 11 الخاص بالانفاق الاستهلاكي لعام 2015، وعودة التخصص بالمهنة لمراقبي الدخل، وإلى جانب ضرورة توسيع قاعدة إخراج الفعاليات من ضريبة الدخل المقطوع إلى ضريبة الأرباح الحقيقية التي تحد من تدخل العامل البشري، والتقدير الذاتي باعتمادها على الميزانية والاستعلام الضريبي والدفاتر المالية، شدد مكي على ضرورة التنسيق والعمل مابين الجهة التنفيذية وهيئة التشريع الضريبي في هيئة الضرائب والرسوم وذلك عبر موافاتهم بجميع الملاحظات والثغرات الموجودة وتعديلها مباشرة، وبالتوازي مع ضرورة التعديل الجذري للقانون الضريبي نوه مكي إلى أهمية تسريع إصدار الدفع الإلكتروني الذي يشكل حلاً جوهرياً لكافة إشكاليات النظام الضريبي، مبيناً أن هذا المشروع قادر على إعادة تكاليفه التي تقف أمام تنفيذه خلال سنة واحدة من فترة التطبيق.
فاتن شنان