الموســــم الدرامـــي 2019.. دوران العجلــــــة
حملت نهاية الموسم الدرامي لهذا العام العديد من الأسئلة والاستفسارات، عن حال الدراما السورية، بعد أن وضعت العديد من المسلسلات لبنة مشغولة جيدا في البناء الدرامي المحلي من جديد، وذلك بالاتكاء فكريا وتسويقيا وفنيا، على إرثها الثقيل من الأعمال الدرامية التلفزيونية المحلية، تلك التي بقيت في الذاكرة مشعة وتلمع، رغم مرور أكثر من 50 عاما على بعضها.
الأمل بغد أفضل وأهم للمسلسلات المحلية، حملته بضعة أعمال درامية تلفزيونية، تناولنا بعضها سابقا، سواء بنصوص تلك المسلسلات، إخراجها، الأداء العالي للعديد من الفنانين الذين اشتغلوها، منهم المخضرم والساعي للنجومية والمبتدئ، وهذا الخليط من الخبرات المتباينة، استطاع أن يقدم مشهدية تليق بما تم تقديمه في تلك المسلسلات، إن كان من جهة توصيل الفكرة، أو العمل بحرفية، على جعل الرمز الذي استند إليه العديد من تلك الأعمال، يصل للجمهور بكل ذكاء و(أريحية).
إذاً هذا الخليط المشغول عليه بعناية، استطاع هذا الموسم أن يقول، ها هي مسلسلات سورية بطلة، تبدد الغيوم السود الثقيلة التي جثمت فوق صدرها، وكادت لولا عراقة هذه الدراما، أن تخنقها، خاصة بذلك النوع من الأعمال الهابطة جدا التي كانت تقفز في وجه المشاهد في كل موسم، معلنة زيادة الضغط على هذه الصناعة الجمالية أولا، وكان القبح هو أهم ما صدّرته تلك المسلسلات، وهذه أيضا خطوة مهمة، غياب شبه تام لهذه الأعمال، ومقاربة الواقعية الفنية لما هو حقيقي وطبيعي في الحياة بعيدا عن التصنع المجاني، فلم يكن الإغراء مثلا هو الرافع للعديد من الأعمال الناجحة جماهيريا هذا الموسم، ولم تحضر النكتة السمجة أيضا، لتقف جنبا إلى جنب مع مسلسلات من العيار الثقيل، كما يعتقد القائمون عليها، ربما للأرباح التي جلبتها، خصوصا عندما مرت درامانا بفترة نضوب فكري حاد، سمح للسطحية بالظهور والبهرجة، عدا عن كون القسم الخارج من رحم هذه الدراما، لم يزل قائما على الأكشن المبتذل، والأفكار مع المشاهد المأخوذة كما هي بشخصياتها من أعمال أجنبية لا تقترب من مشاعر المشاهد ولا من عقله، إلا بكونها همروجة، فيها بذخ إنتاجي كبير، على شبه قصة، يحملها بكل ضعفها نجم سوري وممثلة لبنانية قادمة من عالم عرض الأزياء، ويمكن هنا أن نورد بعضا من العتب على أحد (النجوم) السوريين الذي كان محابيا في جوابه لأحد الأسئلة التي طلبت منه أن يُفاضل بين عمله مع فنانة سورية أكاديمية، وأخرى غير سورية وغير أكاديمية، جمالها هو كل ما يمكن أن تقدمه للعمل، وليته صمت عوض جوابه، ويبدو أن ثمة مشاهدين وبعد الضخ الإعلامي الذي صدع رؤوسهم، باتوا يتابعون هذه الأعمال، وهاهم يكتشفون خدعها ووهمية كونها عملا دراميا تلفزيونيا يستحق المشاهدة المشتهاة.
أيضا واحدا من الأسباب التي قد يستغربها ويرفضها البعض ويوافق عليها البعض الآخر، وكانت من الأسباب المهمة في الذهاب نحو اقتراحات فنية بعيدة عن مزاحمتها للمواسم الدرامية، هو شبه غياب لما يسمى “أعمال البيئة الشامية”، الآخذة بالتراجع والتأرجح على حافة الوجود الدرامي، خصوصا وأنها أصبحت “كليشيه” عنوانه الأهم “السأم”، عدا عن كونها نسخة واحدة متكررة، كل مرة بجودة مختلفة، إن كان في الحكاية والسيناريو والأداء والإخراج وبقية الأعمال الفنية، هذه المسلسلات حضرت ولكن بخجل، عدا عن مشاكلها التي بدأت تطفو ومنذ مدة على السطح، -باب الحارة وأجزائه العجائبية- الأمر الذي سمح للعديد من المسلسلات الجيدة بالتنفس على قنوات عرض مختلفة.
أيضا لاحظنا هذا العام ظهور أسماء جديدة لُكتّاب من الجيل الشاب، استطاعوا وبكل أمانة مهنية، أن يقولوا قولهم، ويتركوا بصمتهم الواضحة على الخارطة الدرامية المحلية، وكذلك لاحظنا انكفاء أسماء منهم، لم يعد في ما يقدمونه أي جديد، بل صاروا يستهلكون أنفسهم، وعموما هذا الغياب، كان وفق رأي شخصي أفضل لهم، لتكون عودتهم للعمل قوية كما نتمنى.
أيضا واحدة من اللفتات الذكية التي شاهدناها أيضا هذا الموسم، هو ظهور المخرج القادم من عوالم السينما، وهذا ما أكسب العديد من المسلسلات زخما حركيا وتشويقيا وفنيا، بما يختزنونه في دواخلهم من اشتغالات كثيفة على الفيلم السينمائي، الذي لا تزيد مدته غالبا عن الساعة ونصف، وهذه مغامرة تُحسب لهم، فالعمل على إخراج قصة لمدة تمتد على ثلاثين ساعة تلفزيونية، مختلف تماما عن صياغة عمل سينمائي، إلا أن المفاجأة، جاءت بقدرتهم على إنجاز مسلسلات، تُرفع لهم القبعة على جهدهم الإبداعي البيّن فيما كانوا يضبطون حركته، كما يفعل قائد الأوركسترا بضبطه لعمل الآلات الموسيقية، فلا يطغى البيانو على العود، كما لا تطغى في المسلسل الصورة على الحوار، ولا يخرج نشازا من آلة وترية تحت رهافة سمعه، ولا يخرج نشازا بصريا في المسلسل تحت رهافة حواس المخرج جميعا، وذلك من مكتسبات العمل السينمائي، والاشتغال على بناء المشهد بدقة، ببداية وذروة ونهاية للمشهد نفسه، ومن هؤلاء المخرجين المبشرين بعودة ألق الدراما المحلية، المخرج “محمد عبد العزيز”، الذي كان نجم هذا الموسم الدرامي من المخرجين بلا منازع. بالتأكيد كل حركة تغيير نحو الأفضل، تبدأ بطيئة عادة، ثم لا تلبث أن تدور عجلتها بسرعة، معلنة عودة هذا القطاع الهام بكل ما فيه بحيوية، ليضخ الدم في الحياة السورية، من خلال حكايات تلم السوريين وتجمعهم أينما كانوا، على قلب متفرج واحد، وما هذا إلا بداية لدوران العجلة.
تمّام علي بركات