ما لم تفعله الدولة السورية!…
د. مهدي دخل الله
الحرب على سورية فريدة من نوعها وغير مسبوقة. فإذا أخذنا معيار التوازن بين الطرفين المتحاربين، فهذه أول حرب تجتمع فيها دول الناتو الكبرى كلها ضد بلد صغير في أحجامه كلها، البشرية والاقتصادية والجغرافية، إضافة إلى ذلك هذه أول حرب تجمع بين العصابات المرتزقة والقوى النظامية (أمريكا وتركيا) ضد دولة صغيرة، وهذه أول حرب تجتمع فيها أنواع الحروب كلها الاقتصادية والإعلامية والنفسية والدبلوماسية خاصة، وأنها أول حرب حصلت عند مرحلة نوعية في تطور تكنولوجيا الإعلام وأدوات الحرب التضليلية…
لكن سورية صمدت وتصدت، «وهذا أمر مدهش فعلاً خاصة قبل عام 2015، أي قبل دخول روسيا»، إنه فعلاً أمر مدهش ما فعلته الدولة السورية في هذا الجانب. لكن المدهش أكثر هو ما لم تفعله هذه الدولة !..
تؤكد التجربة الدولية أن أي دولة، كبيرة كانت أو صغيرة، تتعرض لحرب أقل من الحرب على سورية تتخذ الإجراءات الآتية.. تعلن منع التجول من غروب الشمس إلى شروقها، تعلن اقتصاد الحرب، وتنظّم الاستهلاك بحيث تأخذ كل أسرة ما يسد رمقها فقط، تقيّد حرية تحرك المواطنين، فلا يسمح لأحد التنقل داخل البلد بحرية أو باتجاه الخارج، تعلن النفير العام، حيث تجنّد فوراً جميع الشباب، تغلق الجامعات، لأن الشباب ينبغي أن يكونوا على الجبهة، تشكّل محاكم استثنائية عرفية، وتنفّذ قراراتها الشديدة فوراً، تعزز كل أنواع الرقابة على الهواتف والرسائل، تقيّد حريات التعبير والنقد والاحتجاج..
هذا ما لم تفعله الدولة السورية، بالعكس تماماً، حاولت الدولة إيجاد ظروف طبيعية كي لا يشعر الناس في المناطق الآمنة بويلات الحرب، كل هذا كان له بالتأكيد آثار إيجابية كبرى على النفسية العامة للمجتمع. لكن كل إيجابي تظهر معه بعض المؤثرات السلبية والتي عادة ما تسمى بالظواهر المرافقة، وهي لا تقلل من إيجابية الإيجابي، ومن هذه المظاهر مثلاً أن شعور الناس بالأمان دفعهم كي يطالبوا بأمور لا يمكن المطالبة بها إلا في ظروف السلام التام، ودفعهم كذلك لطرح قضايا ومشاكل، وكأنه لا وجود لحرب، ولا وجود لأولوية مواجهة هذه الحرب. تغيب عن الناس المصيبة الكبرى، وتتضخم في عيونهم المشاكل الحياتية، وينسون أن هناك شباباً في عمر الورود يضحون يومياً بحياتهم في مواجهة ما لا يستطيع أحد مواجهته في هذا العالم سوى أبناء الشعب السوري…
وعندما أقول إن أبناء الشعب السوري فقط قادر على مثل هذه المواجهة لا يعني أنني وقعت في حبائل العنصرية، وإنما أريد أن أضيف إلى الأمور المدهشة أمراً مدهشاً آخر.
mahdidakhlala@gmail.com