الاختصاص ومنافسة الأقارب تزيد الضغط النفسي على الطلبة مئات الآلاف للدروس الخصوصية ومطالب بتطبيق “الكتاب المفتوح”
تصر أغلب الأسر على وضع أبنائها في أجواء الضغط النفسي والقلق بإعلان حالة الاستنفار المنزلي؛ وذلك بقطع العلاقات الاجتماعية وحصار الطالب من كافة النواحي لتزداد مشاعر الخوف والقلق والتوتر من اجتياز هذا الاختبار النهائي الذي يشكل حصاد ما زرعه منذ بداية العام الدراسي. و”ما يزيد الطين بلة” أن الطالب لا يجد نفسه أمام الضغط المرتبط بالتحصيل العلمي فقط، بل هناك ضغوط أخرى يفرضها الأهل كالمنافسة مع الأقارب وضرورة تحقيق أعلى الدرجات إرضاء للبرستيبج الاجتماعي؛ مما يحمل الطالب فوق طاقته من خلال تفكيره برسم مستقبله ونظرة أهله والمجتمع المحيط به ليقع تحت ضغط مشكلات نفسية تنعكس سلباً على دراسته قبل الامتحان وخاصة الطلبة المتفوقين الذين يرافقهم قلق الحصول على درجات كاملة والوصول إلى الميزات المترتبة على ذلك.
وتوضح الخبيرة التربوية علا سلمان أنه مهما كانت أسباب القلق لا يجب أن يتحول إلى ضغط يوثر على نفسية الطالب، فينعكس سلباً على أدائه الامتحاني. فالتركيز والنوم الكافي والتحضير الجيد مع بذل الجهد أمور مهمة جداً لخوض الامتحان والحصول على النتيجة المرجوة، مشيرة إلى أن القلق والضغط النفسي يغدو مشروعاً؛ لأنها مرحلة حرجة في حياة الطلاب تحدد مسيرتهم العملية ومستقبلهم المهني، مؤكدة أهمية وضرورة استبدال الضغط النفسي والقلق والخوف بالاستقرار النفسي والهدوء والمحافظة على الاتزان العقلي، فلا فائدة من أية ردود سلبية أثناء خوض الامتحان.
وبالتالي لا مبرر للمبالغة في القلق الامتحاني أو للضغوط النفسية التي يعيشها الطالب أثناء الامتحان لأنها تأتي بنتائج عكسية وقد تسبب الانهيار أو الفشل.
شائعات وتشويش
ومن يتابع أجواء الامتحانات في هذه الفترة يشاهد تجمهر الأهالي أمام المراكز ومعهم كتاب المادة والملخصات منتظرين أبناءهم بفارغ الصبر والخروج من الامتحان، إضافة إلى هواية بعض الطفيليين في التشويش على العملية الامتحانية من خلال نشر شائعات حول نمط الأسئلة وصعوبتها وعدم كفاية الوقت، مع اتهام المراقبين بمضايقة الطلاب والتأثير عليهم مما يترك حالة ارتباك وقلق عند الأهالي لتنتقل بعد ذلك إلى الطالب الذي يعيش لحظات عصيبة داخل الامتحان وخاصة عند النسيان أو عدم قدرته على حل الأسئلة، واضعاً في مخيلته صورة أهله المنتظرين خارج المركز وعبارات التوبيخ واللوم حسب رأي عضو لجان تأليف المدرسة ثلوج فخرو التي نصحت الأهالي بأن تكون مرافقتهم إلى مركز الامتحان حسب الرغبة، مع الابتعاد عن زرع طموحاتهم مكان نمو أحلام أبنائهم والاكتفاء بزرع الثقة والقدرة على اتخاذ القرار، وهذا أفضل ما يكون على مدار السنة بأسلوب المخاطب: أنتم المسؤولون في هذه المرحلة على التخطيط ورسم ملامح مستقبلكم.
أعراض نفسية
وتعتبر الاختصاصية النفسية سلام قاسم أن القلق الامتحاني حالة توتر شامل وحالة نفسية انفعالية مؤقتة يمر بها الطالب نتيجة توقع تهديد فعلي أو رمزي قد يحدث؛ أو الخوف من الرسوب ومن ردود فعل الأهل، أو ضعف ثقته بنفسه ورغبته في التفوق على الآخرين. ويصاحبها أعراض نفسية وجسمية، مشيرة إلى أن القلق يكون ظاهرة سلبية، لاسيما أن حالة الرهبة والخوف من الامتحانات تزداد عند الطلبة في حالات عدم الدراسة والتحضير للامتحان بشكل كافٍ، وعدم فهم المادة كلياً أو جزئياً، إضافة إلى التنافس مع أحد الزملاء، أو الأقارب، والرغبة في التفوق عليهم والخوف من رد فعل الأهل وخيبة أملهم، وتهديد الأهل له بالعقاب أحياناً.
وأكدت قاسم أن الضغط النفسي الذي يسببه أولياء الطلبة لأبنائهم يكون له النصيب الأكبر من التوتر الامتحاني وهذا يعود لأسباب تتعلق بالأهل ذاتهم كتوبيخ الطالب أو الضغط عليه بضرورة النجاح في الامتحان وإلا سيجازى أو يعاقب، ومقارنة الطالب بزميل له، أو بقريب متفوق عليه؛ مما يؤدي إلى إحباطه وإعاقة تقدّمه، لافتة إلى أن أهم أسباب القلق والضغط النفسي عند الطالب هو فرض الأهل تخصصاً معيناً على الطالب، دون الاهتمام بميوله ورغباته.
دروس إرهاق
ومع الضغط النفسي والقلق أثناء الامتحانات تدخل الدروس الخصوصية المكثفة على خط إرهاق الطالب وخاصة أنها قبل موعد الامتحان بساعات قليلة؛ مما يسبب حالة تشتت ونسيان في أغلب الأحيان عند الطالب، حيث يجد أغلب الأهالي في هذه الدروس طريق النجاح والتفوق، ويوضح المدرس جابر معمرجي ألا فائدة من هذه الدروس قبل الامتحان بساعات، ومعظم الطلاب الذين يطلبونها قبيل الامتحان يبحثون عن التوقعات وأوهام التسريب، معتبراً أن الطالب الذي تابع مع مدرسه عاماً كاملاً ونظم وقته لن يحتاج إليها، ومن أضرارها تشتيت الطالب وزعزعة دراسة عام كامل، وقد تتضارب الآراء قبيل الامتحان فيزداد الطالب قلقاً، محملاً الجميع مسؤولية هذا القلق، فنظام التعليم قائم على امتحان يتوقف عليه مستقبل الطالب.
مضيعة للوقت
أما الخبيرة سلمان فرأت أن مدرس المادة الاختصاصي يملك الخبرة العالية في مادته، وأنه لا ضرر من إعطائه الإرشادات للطلاب حول دقة الإجابة العلمية ، وكيفية ملء الفراغات أو التعامل مع أسئلة الخيارت أو دقة الإجابة في الأسئلة الموضوعية، أو كيفية التركيز في دراسة المادة العلمية، فالوقت الذي أكدت الاختصاصية قاسم أن الدروس الخصوصية خلال فترة الامتحان تعطي الطالب مزيداً من التوتر وتشككه بمعلوماته التي درسها خلال فترة التحضير للامتحان، وبالتالي تكون بمثابة مضيعة للوقت، إضافة إلى إعطاء الطالب أسئلة متوقعة فيعتمدها وتكون بمثابة التخمين، وهي بالتالي تزيد من توتره، وقد عزت قاسم انتشار ثقافة الدروس الخصوصية، إلى طبيعية للامتحانات القائمة على الحفظ؛ وذلك لأن التعليم لم يصبح اكتساب مهارات بل أصبح امتحاناً فقط، مطالبة بتغيير أسلوب الامتحان والتقويم للقضاء على تلك الظاهرة وإصلاح منظومة الامتحانات، وعندها ستكون وزارة التربية أطلقت رصاصة الرحمة على الدروس الخصوصية، ليتفق معها خبير تربوي فضل عدم ذكر اسمه، حيث أكد على ضرورة التفكير في تغيير أسلوب أسئلة الامتحان لمعرفة المستوى ولرفع هذا الهم النفسي عن أبنائنا الطلبة والطالبات، لاسيما أن شريحة كبيرة من أولياء الأمور يرون أن مستوى أبنائهم لا تعكسه ساعتان أو ثلاث من الجلوس في قاعة مشحونة، وعقول قد انتفخت من الحفظ والترديد ليس لغرض التحصيل بل للنجاح، وأن نتعدى تلك المرحلة. داعياً للاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في العلم وإلغاء الامتحانات النمطية، وربط الامتحان بالحياة ودراسة جدية من القائمين لإمكانية تطبيق نمط الكتاب المفتوح هو أسلوب جدير بالتطبيق، ويتم ذلك في بعض المواد في الجامعات، ويعتمد على تنويع المعلومات وترابط الفكرة، بحيث إن الطالب المجتهد الذي قرأ يعرف مكان المعلومة وهذا يكون السر في التفوق، أما المهمل فيكون من الصعب عليه حل الأسئلة حتى لو كان الكتاب مفتوحاً، وبذلك قضينا على التعب النفسي للطلبة ووفرنا الاستنزاف المالي لابتكارات الغش والمدرس الخصوصي، وحصلنا على التقييم المطلوب لمعرفة المجتهد من الكسول.
ولم يخفِ الخبير العبء الأكبر على المعلم في حال تطبيق نمط الكتاب المفتوح حيث عليه التفنن في كتابة السؤال ووضع أسئلة يُحسب فيها وقت بحث محدود، لكن الفائدة ستكون كبيرة للطلبة والطالبات في رفع مستوى التحصيل وبدون اتباع طريقة الحفظ الوقتي للمعلومة والتي تتبخر بتسليم ورقة الامتحان للمراقب والخروج من قاعة الامتحانات.
نصف مليون ليرة
وفي نهاية القول ومع حرص وزارة التربية على تقديم الندوات المباشرة الخاصة بكل مادة امتحانية بإشراف الموجهين الاختصاصيين لرفع ثقة الطالب بنفسه وبإجابتهم على جميع التساؤلات، إضافة إلى المنصات التربوية تبقى الدروس الخصوصية ظاهرة غير صحية تزداد بالانتشار عاماً بعد عام لتطرح أمامها العديد من التساؤلات حول أسبابها، فالمعلم والطالب والأسرة يشتركون جمعيهم في انتشارها لتجد الأسرة نفسها أمام أعباء مالية جديدة وخاصة أن كلفة الساعة الواحدة لمادة الرياضيات أو الفيزياء وصلت إلى 5 آلاف ليرة، و4 آلاف ليرة للمادة الأدبية، وبحسب الأرقام فإن طالب الشهادة يكلف أسرته نصف مليون ليرة تقريباً خلال السنة.
علي حسون