ثقافةصحيفة البعث

“يوميات الدراجة النارية” في بيت السينما

 

 

“الظلم منتشر” الجملة التي رددها إيرنستو-غايل غارسيا برنال- في لحظة وداع صديقه ألبرتو- رودريجو دي لاسيرنا- في كاراكاس والتي كانت انطلاقة الثورة الكوبية ضد الظلم الذي ساد في دول أمريكا اللاتينية، لتتضح مفاجأة المخرج والتر ساليس بفيلم”يوميات الدراجة النارية” الذي عُرض بفعالية بيت السينما التي تقيمها المؤسسة العامة للسينما في سينما كندي دمشق بإشراف المخرج فراس محمد. ويعد أحد أشهر أفلام السينما البرازيلية وهو فيلم مختلف لأنه يشرك المشاهد بتقنية الفلاش باك في المشاهد الأخيرة حينما يطلق المخرج مفاجأته، ويجعل المشاهد يسترجع الأحداث وبعض المشاهد المفصلية التي تدل على أن الطبيب المريض بالربو إيرنستو هو القائد تشي غيفارا.
تميّز الفيلم المنتج عام 2004 بالثراء البصري والتنقل بين دول ومعالم أمريكا اللاتينية من الأرجنتين إلى تشيلي وكولومبيا والبيرو وسان باولو وغيرها وصولاً إلى كاراكاس، ليجد المشاهد نفسه إزاء سينما جغرافية متنقلة بين تضاريس هذه القارة وجمالية الطبيعة، بدأت برحلة الصديقين إيرنستو وإلبرتو على الدراجة النارية بالزمن الفعلي للفيلم عام 1952 يحملان الخارطة ويمضيان، ليتعرضا لأحداث مثيرة تدفعهما بتصميم أكبر لمتابعة الرحلة.
اعتمد المخرج على المؤثرات الفنية لتساند الأحداث من خلال الموسيقا التصويرية التي أظهرت إيقاعات الموسيقا البرازيلية، لتمتد إلى توظيف الموروث الثقافي لروح أمريكا اللاتينية بالعزف على البيانو في مشاهد القصور، وفي رقص التانغو الذي تميز بوقع خاص لاسيما بالمشفى، إلا أن الإضاءة كانت العنصر الأساسي بالفيلم والتي استند إليها المخرج لتكون شريكاً فعلياً بالحوار، كل هذه العناصر توازت مع البعد الإنساني للسكان المحليين الذين تعرضوا للغزاة وللهنود الحمر الذين يطردون من أراضيهم ويتعرضون للظلم، وللفقر المنتشر، فتدخل المخرج ساليس بطريقة غير مباشرة ليثير هذه القضايا، وتسللت الكاميرا ليلاً إلى الأماكن التي ينام فيها المهاجرون في العراء، لتتوقف الكاميرا عن محادثة بين إيرنستو والثنائي من الهنود الحمر اللذين تركا ابنهما وأرضهما ليلتحقا بالمنجم للعمل، فأعطاهما إيرنستو 15دولاراً المبلغ المتبقي معه برمزية مخفية إلى أصول غيفارا البرجوازية.
اختلاف المصير
مفترق الطرق الذي بدا بين الصديقين في دخولهما آثار البيرو الحجرية وسراديبها الضيقة، ليحدد ألبيرتو موقفه بأنه سيتزوج من فتاة من السكان المحليين ويؤسس حزباً سلمياً ليتضح هذا الموقف بصورة نهائية في كاراكاس في نهاية الفيلم.
إلا أن المنعطف بالفيلم هو وصول الصديقين بالسفينة إلى سان باولو وركوبهما الطوافة الخشبية ليعبرا إلى الضفة الثانية لنهر الأمازون إلى مشفى مرضى الجذام ومعالجة إيرنستو حالات صعبة الشفاء، كما في حالة الفتاة التي أًصيبت ذراعها وقرر الأطباء بترها إلا أن إيرنستو أنقذها، ولم يكن خيار المخرج توقف الكاميرا في المشفى في حزيران عام 1952 لتصوير حالات المرض المستعصي، وإنما ليتوقف عند الحادث المفصلي المؤثر بالفيلم وهو عبور إيرنستو النهر ليلاً بالسباحة غير آبه بخطر الحيوانات المفترسة ولا بصراخ الأشخاص على الضفتين، ليترك الاحتفال بالمشفى بعيد ميلاده ويحتفل مع السكان في قراهم في الضفة الأخرى بقوله”هذا النهر يفصل بين المريض والمعافى” وهو يقصد النهر الذي يفصل بين الظلم والحق بين الخير والشر، ونجاحه في عبور النهر رغم المشاق يشير إلى نجاحه بالثورة الكوبية.
ويحوّل المخرج مشهد الوداع بين الصديقين إلى مكاشفة وتوثيق دقيق بعرض الصور الحقيقية لتشي غيفارا وصديقه خلال الرحلة وبالمشفى، ويسرد بالكتابة على الشاشة انطلاقة الثورة وأهدافها إلى اغتيال غيفارا في عام 1967.
وبعد العرض أدار النقاش المشرف على الفعالية المخرج فراس محمد فتحدث عن السينما البرازيلية القديمة التي حافظت على كلاسيكيتها واستندت إلى إرث سياسي قوي، فجمعت بين الجمالية والحالة السياسية. وتابع عن الفيلم بأن المخرج قدم سيرة ذاتية دون أن تكون لدى المشاهد انطباعات مسبقة، وقدم الشخصية بشكل إنساني بعيداً عن الشخصية الأسطورية، ونوّه إلى أن تدخل المخرج بُني على كتابات غيفارا.
أما من حيث الأسلوب الإخراجي فابتعد المخرج عن الغرافيك، ووصف محمد الفيلم بالطليعي الغني بالتنوع البصري. وركزت آراء الجمهور على الإيقاع المتغير للفيلم إذ بدأ برحلة لا تخلو من المواقف الكوميدية، ليتغير مسار الفيلم في المشفى وتتضح شخصية إيرنستو، وتقاطع رأي أحد الحاضرين مع رأي محمد بأن المخرج لم يقدم غيفارا على أنه شخصية مثالية منزهة عن الأخطاء، بل قدمه شخصية إنسانية لها سلبياتها وإيجابياتها.
ملده شويكاني