دراساتصحيفة البعث

إصرار على الصمود حتى تحرير كامل تراب الجولان.. ومنظومة خدمية متكاملة تعيد الإعمار

محمد غالب حسين

في السادس والعشرين من حزيران عام 1974م شهدت محافظة القنيطرة ولادة جديدة بعد تحرير المدينة التي حظيت بمحبة القائد الخالد حافظ الأسد، حيث تمّ تقديم الدعم اللامحدود لعودة الحياة إليها، لاستقرار المواطنين في الجزء المحرر، والصمود بوجه الاحتلال الإسرائيلي، ودعم الأهل المناضلين في الجولان العربي السوري المحتل بقرى مجدل شمس ومسعدة والغجر وعين قنية وبقعاثا الذين رفضوا الاحتلال الإسرائيلي، وماصدر عنه من إجراءات احتلالية زائلة وقرارات عدوانية باطلة. وتشبّثوا بأرضهم مجسدين معاني الانتماء الأصيل لوطنهم الأم سورية، والتمسك بهويتهم العربية السورية، لأنها رمز شرفهم وانتمائهم وكرامتهم، والولاء لقائد الوطن.

كما قدّمت محافظة القنيطرة دعماً حكومياً كبيراً لإعادة إعمار القرى المحررة: الحميدية. الحرية. بئر عجم. بريقة. الأصبح. الصمدانية الغربية. الرفيد. صيدا. بآلاف الوحدات السكنية الحديثة، وبناء مدينة البعث لتكون سكناً للعاملين بالمحافظة ومؤسساتها وشركاتها ومديرياتها، وتمّ إنشاء سدود رويحينة وبريقة وكودنة وغدير البستان والهجة والمنطرة التي يزيد تخزينها على تسعين مليون م3. وترافق ذلك مع المراكز الزراعية ومزارع الدولة والاستصلاح المجاني للأراضي الزراعية والوحدات الإرشادية الزراعية ومراكز أمهات الغراس المثمرة ومراكز إنتاج الغراس الحراجية والمثمرة.

وتميّزت محافظة القنيطرة بمنظومة خدمية ناجزة من مدارس حديثة ومراكز صحية وطرق ومراكز هاتفية وشبكات مياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي.

المدينة الشهيدة

لقد كشف تحرير مدينة القنيطرة الهمجية الصهيونية على حقيقتها، وأماط اللثام عن النازية الصهيونية في أبشع صورها ومعانيها. فقد أضاف الصهاينة صفحة أخرى في سجل أعمالهم الإرهابية ومجازرهم البشعة وأفعالهم العدوانية عندما غرس جيش الاحتلال الصهيوني ساديته وحقده وفاشيته وعداءه للحضارة والمدنية والإنسانية في جسد مدينة القنيطرة. وقام بتدميرها تدميراً متعمداً ممنهجاً كاملاً عبر تفجيرها بالديناميت وهدم منازلها ومدارسها ومساجدها وكنائسها ومشافيها ومتاحفها ومقراتها الخدمية بالبلدوزرات والجرافات. ولم يترك أي أثر للحياة أو البناء قبل انسحابه مرغماً منها، ضارباً عرض الحائط بكل القيم والأعراف الدولية. كما عبث جنود الاحتلال الاسرائيلي بقبور الموتى، وسرقوا من المدينة التي كانت تعجّ بالنشاط الاقتصادي والتجاري كل شيء حتى الآجر والقرميد.

وقد لاقت هذه الفعلة الشنعاء التنديد من المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة ومن زوار مدينة القنيطرة من مختلف أنحاء العالم الذين أعلنوا جميعاً أن تدمير مدينة القنيطرة عمل همجي مرفوض ومدان بكل مقاييس الحرب والسلام، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها التاسعة والعشرين القرار رقم (3740) بتاريخ 29/11/1974م الذي جاء فيه:

-تقرّر الجمعية العامة للأمم المتحدة صحة النتائج التي خلصت إليها اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمسّ حقوق الإنسان لسكان الأقاليم المحتلة التي أكدت أن إسرائيل مسؤولة عن تدمير مدينة القنيطرة.

– ترى الجمعية العامة للأمم المتحدة في قيام إسرائيل بتدمير مدينة القنيطرة عمداً خرقاً خطيراً لاتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 آب عام 1949م، وتُدين اسرائيل على هذه الأعمال.

– تطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة من اللجنة الخاصة أن تقوم بالاستعانة بخبراء يُعيّنون بالتشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة لمسح ما لحق بمدينة القنيطرة من ضرر جرّاء التدمير وتقدير قيمة الأضرار الناتجة عن هذا التدمير ومداه وقيمته.

– تطلب الجمعية من الأمين العام أن يضع تحت تصرف اللجنة جميع التسهيلات لإنجاز مهمتها، لتقدم للجمعية العامة تقريراً عن ذلك.

 

بطولات الأجداد

إن أحفاد الأبطال الذين حقّقوا النصر في تشرين هم الذين تصدّوا بكل بسالة لقوى الشر والبغي والإرهاب والعدوان التي تحالفت مع العدو الصهيوني، لتنفذ مخططاته العدوانية على أرض محافظة القنيطرة التي ظلت عصيّة عليهم رغم اعتداءاتهم الغادرة المتكررة واستهداف القرى الآمنة والمواطنين بقذائف الغدر وصواريخ العمالة. واستطاع بواسل جيشنا البطل القضاء على العصابات الإرهابية المسلحة وهزيمة الإرهابيين الذين كانوا يتلقون الدعم والمساندة من الكيان الصهيوني الذي يتدخل ويعتدي على القرى الصامدة في محافظة القنيطرة.

وعندما قام الجيش العربي السوري الباسل بالقضاء على الإرهاب وطرد العصابات المسلحة، معلناً محافظة القنيطرة خالية مطهرة من الإرهاب والمسلحين، تحوّلت المحافظة بفضل الدعم الحكومي لورشة عمل كبرى لتأهيل المرافق الخدمية والبنى التحتية للقرى المحرّرة من الإرهاب، حيث تمّ افتتاح جميع المدارس لاحتضان الجيل الذي ضاع منه عدة سنوات نتيجة الاعتداءات الإرهابية المسلحة. وقد فازت المؤسسة العامة لمياه الشرب بقصب السبق عندما استطاعت توفير مياه الشرب لكل القرى المحررة.

أوضح المدير العام للمؤسسة المهندس أمين الشمالي أنه تمّ إعادة تأهيل (67) بئراً و(59) كم من شبكات المياه و(32) خزاناً عالياً و(67) محطة ضخ وحفر بئرين لدعم مشروع غدير البستان الذي يغذي عشرات  القرى بالمحافظة. وأضاف الشمالي: إن المؤسسة قامت بتأمين مياه الشرب للتجمعات التي تعرضت للإرهاب في مفرق حجيرة وسبينة والحسينية وعرطوز والباردة عبر تأهيل (63) محطة ضخ و(53) كم من شبكات المياه و(21) خزاناً.

كما أنجزت الشركة العامة لكهرباء محافظة القنيطرة تركيب (152) مركز تحويل باستطاعة (100) ك. ف. آ. وذكر معاون المدير العام للشركة المهندس محمد الإبراهيم أن عمال الشركة أنجزوا إنارة (65) قرية ومزرعة من خلال تنفيذ (205) كم من التوتر المتوسط مع الأبراج و(219) كم من التوتر المنخفض مع الأعمدة، منوهاً بأن الشركة تستجرّ التجهيزات اللازمة لإنارة ما تبقى من قرى المحافظة تباعاً.

 

أولويات زراعية

وفي المجال الزراعي سعت مديرية زراعة القنيطرة للإقلاع بأولويات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، فقد قامت المديرية كما ذكر مدير زراعة القنيطرة المهندس شامان الجمعة بافتتاح الوحدات الإرشادية الزراعية والبيطرية في قرى المحافظة المحررة، وإعادة تأهيل مركزي إنتاج الزيتون والغراس المثمرة في صيدا ومركز أمهات طرنجة، وتقديم العناية البيطرية للأبقار والأغنام، وتأمين الغراس الحراجية والمثمرة لفلاحي القرى المحررة وترميم غابة بريقة التي قطعها الإرهابيون وزراعة سدود المحافظة بأصبعيات الأسماك والبدء باستصلاح الأراضي، والاهتمام بالمرأة الريفية وإدخال زراعات جديدة للمحافظة كالتبغ واليانسون وأشجار حراجية جديدة، وزيادة خطة مراكز إنتاج الغراس الحراجية والمثمرة، وتفعيل العمل بمزارع الدواجن الخاصة وتعميم زراعة الحدائق المنزلية بالخضار وإحداث وحدات تصنيع غذائية والتعويض على الفلاحين الذين تضررت محاصيلهم وأشجارهم المثمرة من الإرهابيين والظروف الجوية.

الاحتلال إلى زوال

وفي الذكرى الخامسة والأربعين لتحرير مدينة القنيطرة نتوجّه للأهل المناضلين في الجولان السوري المحتل، محيين صمودهم بوجه الاحتلال الاسرائيلي، وتصديهم لمشاريعه العدوانية الرامية للتضييق عليهم ومحاربتهم بمصدر عيشهم من خلال الاستيلاء على أراضيهم الزراعية، ومنع تسويق التفاح الجولاني في وطنهم الأم ومنع عبور طلبتهم لإكمال دراستهم في جامعات وطنهم، ونؤكد لهم أن الاحتلال إلى زوال، وأن قائد الوطن السيد الرئيس بشار الأسد سيقوم برفع علم الوطن فوق كل ذرة من تراب الجولان بفضل بسالة الجيش العربي السوري وصمود الشعب العربي السوري. فلهم ولأسراهم ومشايخهم ونسائهم وأطفالهم أكاليل الغار الموشحة بالنصر القادم وتحرير كامل تراب الجولان.