اقتصادصحيفة البعث

بإطلاقها لحاضنة ومركز لريادة الأعمال.. “تجارة دمشق” تُهيِّج أوجاع “الصغيرة والمتوسطة”! “البعث” تطرح ثلاثية أسئلة يتصدرها: لماذا لا يتم إنشاء صناديق استثمارية تمويلية خاصة بهذا النوع من المشاريع؟!

 

لا شك أن إقامة مشاريع جديدة ناجحة تشكل أهم ركائز النمو الاقتصادي، كونها تحسن من مستوى استغلال رأس المال، وتفعيل قنوات الإنتاج والتشغيل والعمالة، وهذا ما تحتاجه سورية اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعد تداعيات اقتصادية بفعل الأزمة التي مرّت بها، ولعل مبادرة غرفة تجارة دمشق في إنشاء حاضنة للأعمال التجارية وجائزة ريادة الأعمال في إطار المركز الوطني لريادة الأعمال الذي أطلقته الغرفة مؤخراً سيكون خطوة متقدمة من قبل المنظمات الداعمة للأعمال في تحقيق أهداف الانتعاش الاقتصادي، وتأمين أعلى درجات النجاح للشركات الجديدة، هذا ما أكده مدير غرفة تجارة دمشق الدكتور عامر خربوطلي في تصريح إعلامي له مستعرضاً بشكل عام ضرورة وجود مثل تلك الحاضنات وتنوعها، وما تقدمه لأصحاب الأفكار والمشاريع، سواء كانت صغيرة أو متوسطة، معللاً ضرورة وأهمية وجودها؛ الأمر الذي يستدعي الحاجة إلى خلق أساليب مختلفة لدعم المؤسسات الصغيرة الناشئة…

من النقطة التي انتهى إليها مدير الغرفة، نود أن نثير موضوع التمويل، لنقول: لقد بات من المعلوم والمسلم به أن التمويل يعد في مقدمة المشاكل وأول المعرقلات، التي تواجهها المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إذ إن صغر حجم المشروع يجعل من الصعوبة حصوله على القروض المصرفية لأسباب عديدة، منها ارتفاع درجة المخاطرة وعدم وجود ضمانات كافية لدى أصحاب تلك المشروعات، فضلاً عن انعدام الوعي المصرفي وعدم توفر السجلات المحاسبية التي توضح المركز المالي للمشروع والتنبؤ بمستقبله؛ ما يجعل هذه المشاريع تعتمد في أغلب الأحيان على التمويل الذاتي، وبالتالي فهي تعمل في حدود الإمكانات المالية المحدودة المتاحة لها…

علة العلل..

ونظراً لأن الكيانات القانونية لهذه المشاريع تكون في الغالب مؤسسات فردية، فإنه يصعب عليها زيادة رؤوس أموالها عن طريق طرح أسهم في الأوراق المالية أو إصدار سندات للاقتراض؛ لهذا تواجه هذه المشاريع تردد بعض المصارف التجارية في منح هذه المؤسسات قروضاً ائتمانية متوسطة أو طويلة الأجل ما لم تقدم تلك المؤسسات ضمانات مالية وعينية.

والسؤال الذي نوجهه في هذا الشأن لقطاعنا الخاص عامة والغرفة خاصة: إن كان بإمكانكما أن تقدما لتلك الأفكار والمشاريع كل الدعم العلمي والفني والخبرات والتدريب.. إلخ، فهل سيكون بإمكانكما التمويل المالي لمثل تلك المشاريع، وماذا فعلتم لإمكانية أن تكون تلك المشاريع- في حال نجاحها- قادرة على استقطاب رؤوس أموال من خلال طرحها في سوق الأوراق المالية، أو أن يكون بإمكانها مستقبلاً إصدار سندات للاقتراض مثلاً..؟

جاهزيته أولاً

إن قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة هو عملية اجتماعية اقتصادية متكاملة ومتداخلة، تعتمد بشكل رئيسي على جاهزيته للوصول إلى التمويل أكثر من جاهزية البنوك، وهناك حاجة لتطوير قدرات المشاريع الصغيرة من أجل الحصول على التمويل؛ ولذلك فإن المشكلة ليست في البنوك، وإنما في القطاع نفسه، أي أن يكون هذا القطاع جاهزاً لتمويل نفسه من البنوك بشكل جيد ومتكامل، وحينها تستطيع البنوك التعامل معه بشكل إيجابي.

جهود مبعثرة..!

كما أن التمويل هو روح المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكم من هذه المشاريع المميزة والأفكار، تُقتل نتيجة لعدم حصولها على التمويل، إذ إنه وبدون التمويل الضروري، لن ينجح أي مشروع وخاصة في المراحل الأولية، وهذا التمويل لغاية تاريخه لم تستطع الحكومة، رغم ما عملت لهذا النوع من (هيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة)، وما أعلنته من قنوات تمويل يشارك بها الخاص، لا تزال حبراً على ورق، وما وعدت به (كمؤسسة ضمان المخاطر)، أن تفعل تلك المواضيع، وأقنيتها القانونية، وعليه فالسؤال الآخر الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: لماذا لم يتعاون القطاع الخاص المعني أيضاً بهذه القضية مع القطاع العام بمؤسساته المعنية بهذا الأمر، كي يتم وضع قاعدة صحيحة وقادرة على ترجمة ما يدعي كل منهما أنه فعل كذا وكذا..، لكن على أرض الواقع لا نجد شيئاً ملموساً..؟! علماً أننا لا ننكر أن هناك مبادرات وإجراءات، إلا أن توفير مصادر تمويلية، لا يزال من أهم معوقات قيام وتنمية هذه المشاريع..!

لماذا لا تقوم..؟!

لذا فإن الدعوة لمبادرات دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أصبحت أمراً مهماً، خاصة وأنها تهدف إلى مساعدة هذه المشاريع على رفع نسبتها الإنتاجية وقدرتها التنافسية، من خلال تسهيل وصولها إلى التمويل والتعامل الفاعل لتحسين بيئة الأعمال، وبالتالي تحفيز ريادة الأعمال، من خلال توفير رأس المال والاحتياجات الاستراتيجية الأخرى اللازمة لتأسيسها وتطويرها، وزيادة قدرتها التنافسية من أجل تحقيق أهدافها، وذلك بالتعاون مع المصارف والمؤسسات المالية بهدف الوصول للتمويل المناسب.. وهنا نسأل أيضاً: لماذا لا تقوم غرف التجارة والصناعة مثلاً بتأسيس صناديق استثمارية تعنى – حصراً – بتأمين التمويل اللازم للمشاريع التي تقع ضمن دائرة مصالحا واهتماماتها وتطوير أعمالها، صناديق تمويل يتم إدراجها في سوق أوراقنا المالية، وتكون من مساهمات التجار والصناعيين..؟

سلال القيمة..

مثل تلك المبادرة ستمكن الغرف وغيرها من غرف، وحتى القطاع العام من تأمين المتطلبات الضرورية التي تحتاجها المشاريع الناشئة في المراحل الأولى لحياة المشروع، وخصوصاً من نواحي تلبية متطلبات النفاذ إلى التمويل، ولاسيما في ظل توفر إمكانية إعداد خطط العمل ودراسات الجدوى بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، إضافة إلى تسهيل نفاذ المؤسسات الناشئة إلى شبكة مقدمي خدمات الأعمال المحليين، وتدريب المدربين والاستشاريين المعتمدين، وتشجيع الإبداع والابتكار، وربط البحث العلمي بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك إمكانية إجراء تعزيز سبل تحويل مخرجاتها إلى منتجات ملموسة، من خلال توفير الموارد المالية اللازمة؛ ما سيسهم في تسهيل الربط بين المؤسسات الكبيرة من جهة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ويعزز حضورها في سلاسل القيمة في القطاعات ذات القيم المضافة.

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com