زواياصحيفة البعثمحليات

“فبركة التحري”؟!

لم يكن بالإمكان أكثر مما كان.. هذا باختصار واقع الصناعة النسيجية، وحالها لا يختلف عن باقي القطاعات التي قضت الأزمة على مقومات بقائها، وضاعفت من خسائرها الكبيرة التي عمل الإرهاب على استهدافها وتخريبها وتدميرها بشكل ممنهج وسرقة آلاتها، ولكن الموضوعية تقتضي عدم إلقاء المسؤولية كاملة على  الحرب، والإشارة إلى الكثير من الأسباب التي كان لها دور كبير في تأزيم هذا القطاع وإحالته إلى التقاعد المبكر(في سنوات ما قبل الحرب)؛ فالإدارات المتعاقبة تتحمل بفسادها الجزء الأكبر من هذا الفشل وبشكل لا ينفصل عن خطأ عام في الاستراتيجية الصناعية التي أغرقت الصناعات النسيجية في بحر من الخسائر خاصة مع سياسات توظيف غير مجدية، واستمرار مسلسل تدوير الأرباح من عام إلى آخر دون أن يكون لها أصول إنتاجية على أرض الواقع.

وطبعاً لن نستمر في نبش الماضي واجترار الأحاديث الكثيرة التي تطرح موضوع خسائر ومشكلات الصناعة النسيجية، وكيفية إيجاد الحلول والمعالجات وإخراج هذه الصناعة من أزماتها، بل سنناقش حقيقة الانشغال الحالي في قضية الإقلاع بهذه الصناعة عبر حزمة من القرارات التي يبدو أنها لم تخرج بعد من شرانق التنظير والدراسات المكررة مئات المرات دون اتخاذ أي قرارات فاعلة على ساحة الإصلاح، ونستشهد هنا بالقرار الأخير القاضي بتكليف لجنة رسم السياسات والبرامج الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء ومجلس إدارة مؤسسة الصناعات النسيجيّة بتقديم دراسة متكاملة حول جدوى إلغاء الشركات المتوقفة عن العمل والبالغ عددها \11\ شركة، مع آلية الإلغاء المقترحة لجهة تبعية العمالة والآلات والمباني التابعة لهذه الشركات بما يمكن المؤسسة من توظيف إمكاناتها بالشكل الأمثل، وتخفيف الأعباء المادية غير المجدية عنها.

وما يؤكد التشابه بين الإجراءات المتخذة سابقاً وما يتم العمل عليه الآن هو قرار اللجنة بتشكيل بعثة تحقيق مهمتها التحرّي عن الآلية التي تم بموجبها تعيين عمّال بعقود خبرة سنوية خلال السنوات الثلاث الماضية، وما يثير الغرابة أكثر أن اللجنة حمّلت مجلس الإدارة مسؤولية خسارة المؤسسة، وعدم قدرتها على الاستفادة المثلى من الدعم الحكومي المقدم لها، وتكليفها وضع خطة لتوظيف الطاقة الإنتاجية القصوى للمؤسسة وتسويق المنتج كاملاً خصوصاً في ظل السعي لاستثمار كافة الطاقات الإنتاجية المحلية لمواجهة الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب السوري… أي أنها (فسرت الماء بعد الجهد بالماء)؛ فالاتهام غير واضح، والمسؤولية عائمة على بحر من الاحتمالات التي لن تصيب هدفها الإصلاحي على الإطلاق، وما يقلق أكثر العودة إلى سيناريو اللجان وبعثات التحقيق التي تستعيد مذكرات سابقاتها من اللجان المثيلة.

وبكل تأكيد مهمة الإقلاع بالصناعات النسيجية ليست بهذه السهولة، وتحتاج إلى فترة زمنية كبيرة لتصل إلى  نتائج ملموسة على أرض الواقع، ولكنها في الوقت ذاته تحتاج إلى بداية صحيحة تنطلق من تبني حقيقي لسياسة إنتاجية وبشكل متكامل ومتوازٍ، وأي كلام أو تصريح يخالف ذلك هو الابتعاد عن الحل الجذري والفعلي المطلوب، ومحاولة التضليل ليس أكثر، وعودة إلى أحجية فائض العمالة.. وإن كان ذلك تحت مسمى زراعة الأمل.. فهل سنرى اختلافاً حقيقياً في آليات التعاطي مع الحلول في قطاع الصناعات النسيجية، أم ستكون فبركة جديدة  لمسلسل كوميدي بعنوان (نثر الرماد في العيون )؟

بشير فرزان