تحقيقاتصحيفة البعث

في عيد الشهداء .. مسيرة نضال متجددة وعهد وفاء لدمائهم التي صنعت الانتصار

محمد محمود

لا تزال منيرةً ملامحُ ذلك الطريق الذي أضاءه لنا قبل قرن تقريبا شهداء سورية، لا تزال دمائُهم تزهو في أيار وتعلو منتصرة على جلادها العثماني، فبعد ما يقارب القرن عادت دورة التاريخ مرة أخرى، وكُتبت ملامح الانتصار بدماء شهداء السوريين العظام والتضحيات الجليلة لجيشهم العقائدي الباسل التي صانت وتُصون ترابا مقدسا، ووطنا شامخا يفتدى بالدماء، تعاد دورة التاريخ وعجلته مرة أخرى رغم بطش الأعداء على أرض سورية لتحطيم إرادة السوريين ومعنوياتهم الصلبة، لكن إرادة السوريين هي نفسها وعشق الشهادة في سبيل الوطن والانتصار لكلمته هو نفسه أيضا، عشق ينمو وينتقل ويتجدد بالوراثة من أب لطفله، ومن أم لابنتها، ومن شهيد إلى مشروع شهيد جديد، فأي عظمة لتلك الدماء وأي قدرة تختزنها لإيقاظ نيران الانتصار فيهم دائماً وأبداً مهما ازداد عتو الأعداء ومهما بلغ بغيهم وبطشهم.

غزاة الأمس واليوم

في السادس من أيار عام 1916 لم تختلف سياسة البطش والإرهاب التي اعتمدها السفاح العثماني جمال باشا بحق السوريين واللبنانيين والفلسطينيين الذين اختارهم دونما تمييز عن تلك الأفعال الإجرامية التي ترتكبها اليوم أداة البطش الصهيونية ومن يقف إلى جانبها ويدعمها في عدوانها الظالم على الشعب الفلسطيني والاعتداءات المتكررة على كل مقاوم لهم، والتي تقوم على التنكيل والتخريب والإرهاب. مجددا يحضر السفاح، فذاك الذي علق مشانق الزعماء والوطنيين السوريين وأصدر أحكام الإعدام بحقهم في ساحات الحرية في دمشق وبيروت فاستحق بحق لقب السفاح، وهؤلاء أرسلوا أدوات إرهابهم إلى سورية ليعيثوا في أرضها فساداً وخراباً فيقتلون ويرتكبون المجازر المروعة بحق السوريين على اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم دونما تمييز أيضاً، واليوم يجددون إجرامهم بحق الشعب الفلسطيني، فحب إراقة الدماء وسفكها يجمع بين الجلادين، أما عشق تقديمها رخيصة في سبيل الانتصار فيجمع شهداء سورية والمقاومين الذين كانوا وما زالوا يسطرون أروع الملاحم من التضحية والفداء لتصان الأرض ويحفظ استقلالها الذي صنعه آبائهم الشهداء بدمائهم وتضحياتهم.

مسيرة مستمرة

ولأن درب الشهادة نهج لا يموت موجود في دماء السوريين بالفطرة يبدي الكثير من أبناء الشهداء الذين قابلناهم في ذكرى عيد الشهيد معنويات استثنائية تؤكد لأي مشكك اقتراب انتصار سورية وانفراج غمتها، فلا تزال عزيمة الطفل علي حسن مصمماً أن يكون طياراً يكمل مسيرة والده الشهيد فيدافع عن الوطن ويصون كل حبة تراب فيه، ولا يزال علي شعبان ابن محافظة طرطوس على عهد قطعه بأن الدماء الطاهرة لوالده التي روت تراب سورية لن تكون إلا الحافز المستمر له ليتابع تحصيله وعمله ودراسته ليكون عالماً أو مهندسا أو طبيبا أو ضباطاً في صفوف الجيش العربي السوري، فكل الطرق كما تقول توصل إلى درب الشهادة أو الانتصار حين تبني الوطن وترفع رايته عاليا، ولا يختلف عن هؤلاء الأطفال محمد القاسم الذي يعرف أن بالشهادة وحدها ينتصر الوطن، ويتساءل: كيف سيقوم الوطن دون أن تبذل التضحيات الجسام في سبيله، كيف سيقوم إن يوجد من يرفع لواء الدفاع عن الوطن والاستشهاد في سبيله؟، ومن خير من يقوم بهذه المهمة بعد الشهداء إلا أبناء الشهداء أنفسهم، وليس مستغرباً أن يكون أبناء الشهداء من كل مدن سورية وألوانها وأطيافها، فالوطن كلمة تجمع السوريين تماماً كما جمعت كل الأحرار منهم قبل قرن.

فجر الانتصار

في فجر السادس من أيار أثناء الطريق إلى حبال المشانق التي نصبها السفاح في دمشق وبيروت يتردد صدى أهزوجة “نحن أبناء الألى شادوا مجداً وعلا‏” وغيرها الكثير من الأهازيج التي تؤكد عظمة هؤلاء الشهداء المتوجهين إلى ساحات الشرف والذين خمنوا مصيرهم بقرار مضى فيه العثماني جمال باشا حتى نهايته رغم كل محاولات ثنيه، فكانوا الشرارة التي أوقدت وأيقظت فجر الانتصار، واليوم تمضي أدوات الإجرام وكل من خلفها في مخططها الإجرامي، فتقتل وتشرد وتسبيح الكرامات، لكن في المقابل يستمر أبطال سورية يقدمون شهيدا تلو آخر في صد هذه الهجمات والدفاع عن كل ذرة تراب في سورية فهم يدركون كما ردد أسلافهم أن الاستقلال يبنى على الجماجم وإن جاجمهم ستكون أساساً لاستقلال بلادهم في سورية، وفجر الانتصار قريب ترسمه دماء الشهداء ونسير عليه نحن وأبنائهم.