ساقطة.. وأكثر!
حسن حميد
ما الذي يحدث؟! أهي خفةٌ أم استخفاف؟! أم هي مفاعيل الظلموت، والإمعان في القهر؟! أهي حماقة فقط، أم هي حمّى التوحش؟! وكيف يحدث هذا، ومن أين يأتي؟!
أهي حال الهوان التي تعيشها السياسات العربية، أم هي رؤوس الجسور/اللعنة التي يمدّها أعداؤنا مثل أعواد الدبق لنعلق بها؟! أم هي حال الضعف التي يعاني منها الجسد العربي، الذي أضحى مثل غربال كثير الثقوب؟! أم هي حال الارتهان للآخر الباطش والدموي؟! أم هي حال الانفصام الفادح ما بين ما يحلم به بعض ساسة العرب، وما تحلم به الذوات العربية التي رمّدتها المذلات البادية على صور مختلفة ومتعددة؟!
أسئلة موجعة تسيلها /صفقة القرن/ تماماً مثلما تسيّل الثعابين سمومها في أوقات الحر الشديد! ويكاد الأمر، في كليته، يكون استخفافاً ليس بالشعب الفلسطيني، والأمة العربية، والمنادين بحقوق الإنسان فحسب، وإنما الاستخفاف بالعالم أجمع؛ استخفاف بالثورات، وحركات التحرر العالمية، ومنظومة حقوق الإنسان، والدساتير، والقوانين الدولية، ومفهوم السيادة، بل يكاد الأمر يكون استخفافاً بكل ما قاله التاريخ، وما أيّدته الجغرافية، وما نادت به الشعوب حتى أُنهكت وهي تطالب بالحرية.
أي صفقة قرن هذه التي يراد من خلالها بيع فلسطين بحفنة دولارات، وأوهام سياسية، وتحايل على الجغرافية، وكذب على الواقع، وتجاهل للمستقبل، وعماء مطلق عن الماضي. كيف؟! هل بالإمكان بيع القدس؟! دارة المعنى المشدود إلى سيدنا المسيح عليه السلام الذي صلبته الأيدي السود؟! وهل من الممكن بيع درب الآلام، وكنيسة القيامة، والمسجد الأقصى، وقبة الصخرة، والشرفة التي عرج منها نبي الله سيدنا محمد (ص)، وهل بالإمكان بيع القرى التي شهدت معجزات سيدنا الجليل، أو بيع حواكير الدور، أو أعشاش السنونو الطينية المشدودة إلى سقوف البيوت؟! كيف؟! وهل بمقدور أحد أن يبيع معنى وجوده، وتراثه؟!
بلى، ما الذي يريده أهل التوحش؟! وما الذي تريده الإدارات الأمريكية المتتابعة مثل قاطرات عمياء في ليل مدلهم أعمى، وهي تتخذ قرارات خرقاء عمياء؟! منذ ثلاثة عقود ماضية، اختتم بها القرن العشرين، ومنذ عقدين افتتح بها القرن الواحد والعشرون، وهذه الإدارات تخترع المبادرات، وتنادي بالحلول للقضية الفلسطينية، وبمشروع السلام، وحل الدولتين، وتدعو للتنازل، وتخليص المنطقة من التوتر والضجيج السياسيين، وتصرخ بملء الشدق لابد من الواقعية والعقلانية؟! كيف وقد جعلوا من القضية الفلسطينية حقل تجارب فيه من الغصات، والدماء، والمواجع، والأسى، والكذب، والتزييف، والخداع.. الكثير الكثير، كيف تكون الإدارات الأمريكية وسيطاً بين الفلسطينيين وغاصبي أرضهم وحياتهم وحريتهم، وهي تقول بالتحالف الاستراتيجي الدفاعي الأمريكي/الإسرائيلي؟ وكيف يقف العقل الفلسطيني أمام ما سُمي بحل الدولتين، والإدارة الأمريكية تعطي القدس، قلب فلسطين وروحها، عاصمة للكيانية الصهيونية؟! وكيف للفلسطينيين أن يثقوا بأمريكا التي تريد شراء الأرض الفلسطينية، ودم الشهداء، وبكاء الثكالى، ودموع أبناء الشهداء، بصفقة مالية تنادي زوراً وكذباً بـ /الازدهار الاقتصادي/؟! أتريد أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية /ديّة/ عن /القتيلة/ فلسطين لأهلها العرب! أم أن عقل الإدارات الأمريكية المصاب بلوثة الصلف والجبروت والتوحش، قرر أن يأخذ (فلسطين) إلى سوق المال ويزايد عليها بأموال الآخرين، ومعظمهم من أهل السياسة العربية؟! هل وصلت الغطرسة الأمريكية إلى أعلى سقف في الحمق والتهور والرضا بالعدوانية وسحق الآخرين؟!
باختصار شديد، لو أراد الفلسطينيون بيع ديارهم، منذ قرن من الزمان وأزيد، لما كانت هذه الكتائب من الشهداء، ولما كانت هذه المدن المديدة المحتشدة بالشهداء، ولما كانت هذه السجون سجون العدو الصهيوني التي صارت أكثر عدداً من المدارس، والتي عرفها الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد..!
بلى، إن صفقة القرن، صفقة ترامب، عيب، وجهل، وعماء، وأنفاس مسمومة، وهي ساقطة.. وأكثر لأن البلاد ليست للبيع!
Hasanhamid55@yahoo.com