ثقافةصحيفة البعث

الطبيعـــــة

استضافت إحدى قنواتنا التلفزيونية المحلّية والِدي ضمن برنامج يقدمه مجموعة من الأطفال واليافعين، حيث يشاركهم في كل حلقة ضيف مخضرم من ذوي الخبرة والإبداع، يتحدث عن ذكرياته ومشوار حياته، ويجيب على أسئلة المحاورين، ويقدم النصائح لهم. استرجع والدي في الحلقة ذكريات الطفولة في قريته البهلولية في ربوع محافظة اللاذقية بين أشجار الزيتون والتين والجوز، في كنف “جدي عزيز” مختار القرية وحضن “جدتي كريمه” رحمهما الله، وتحدث عن الأعمال البسيطة التي كان يمارسها في القرية، قبل أن يغادر إلى العاصمة دمشق في سن الثامنة عشرة، لتبدأ رحلة الكفاح في سبيل العِلم والعمل.

أثناء مشاهدتي للحلقة كنت كعادتي دائماً معجبة بإطلالة والدي وكلامه، وأكثر ما أتذكره من ذلك الحوار اللطيف، حديث والدي المستفيض عن الطبيعة وجمالها، كيف لا، ومسقط رأسنا قرية وديعة من أجمل قرى الساحل السوري. كما كانت الطبيعة هي جواب والدي على سؤال بخصوص قدوته في الحياة، كيف لا، والطبيعة صادقة وجميلة، معطاءة وكريمة، دقيقة ورقيقة. وإذا أمعنا النظر بإمكاننا استخلاص العديد من الدروس والعِبر من حياة النباتات والأشجار والتضاريس والظواهر الجوية.

الطبيعة.. مُعلمُ ومُلْهم، ملجأ وملاذ، علاج ودواء، نهرب إليها من صخب الحياة، رغبة في الحصول على الراحة والهدوء والسكينة والاستقرار، لنعاود الانطلاق مجدداً إلى ضجيج الحياة وقصصها، المفرحة والحزينة.

إذا كنت تقطن في مدينة كبيرة بعيدة عن الطبيعة، فالجأ إلى المنتزهات والحدائق العامة بين فترة وأخرى، وإذا كان ذلك متعذراً لأي سبب من الأسباب فأنشئ حديقتك الغنّاء في شرفة منزلك. وإن لم تتمكن من ذلك، أوجد الطبيعة في مخيلتك وذهنك، ازرع الأفكار الخضراء المثمرة في عقلك، وبعدها ستُزهر حياتك رغماً عن كل شيء. يقول المثل الياباني “زهرة في البيت تجلب لك الربيع”.

إنَّ ارتباطنا بالطبيعة وتعلّقنا بها، يقودنا للحديث عن تلوث البيئة وواجبنا تجاهها، والحفاظ على البيئة وحمايتها ليست مسؤولية المؤسسات فقط، هنالك دور لا يُستهان به نقوم به نحن المواطنون، لذلك لا تستهين بالسلوكيات التي تبدو بسيطة وسطحية وعابرة، فأثرها التراكمي كبير وفعّال.

لماذا ينحصر اهتمامنا بالنظافة داخل المنزل فقط، وكأن خارج العتبة لا يعنينا! أليست المدينة وشوارعها وحدائقها وساحاتها بيتنا الثاني؟. من أكثر المشاهد استفزازاً وألماً، بالنسبة لي ولكثيرين، رمي الأوساخ على قارعة الطريق أو من نافذة السيارة. إن هذا السلوك على بساطته يعكس مدى حُبك لمدينتك، ويعكس مدى اهتمامك وإخلاصك. حتى وإن كان المكان العام غير نظيف ومليء بالنفايات، سواء شاطئ بحر أو ضفة نهر أو رصيف مشاة أو حديقة عامة، لا تتخلى عن سلوكياتك الإيجابية، لا ترمِ النفايات إلّا في المكان المخصص.

كم ستكون النتائج عظيمة، وعلى مختلف الأصعدة، عندما تتبنى المدينة وسكانها شعار فرز النفايات في المصدر. كم أتمنى أن تنتشر الحاويات المخصصة للنفايات الورقية في جميع المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة، بهدف إعادة تدوير الورق، والحفاظ على الموارد الطبيعية.

ألم يحن الوقت لنتخلص، ولو جزئياً وتدريجياً، من أكياس البلاستيك التي تُستخدم لمرة واحدة، ونستعيض عنها بالأكياس الورقية أو القماشية التي يمكن إعادة استخدامها عدة مرات. فلم يعد خافياً على أحد الضرر الشديد لأكياس البلاستيك، فهي تبقى سنوات طويلة ولا تتحلل، فتشوه جمال الطبيعة، وتضر بالكائنات الحية، ولاسيما البحرية. كم أتمنى أن تنتشر السلوكيات البيئية، ويذهب الناس إلى الأسواق وأكياسهم معهم، وأنا أحاول تطبيق ذلك من الآن، قدر الإمكان.

رانية نديم شمسين