حرق المراحل
لا شك أن إعادة تأهيل وترميم أسواق حلب القديمة خطوة مهمة على صعيد تنشيط الحياة التجارية وإنعاش وسط المدينة؛ لما لهذه الأسواق من قيمة رمزية ترتبط ولأعوام طويلة بإرث هذه المدينة الحضاري، وبتقاليدها وبصناعتها وتجارتها التي غزت الأسواق العالمية بمواصفات وجودة منتجها، نذكر منها على سبيل المثال صابون الغار والزعتر الحلبي، إلى جانب الأقمشة والقطنيات بأنواعها، وهو ما ميز حلب عن غيرها من مدن المنطقة ( كعاصمة اقتصادية بامتياز).
ولعل الحاجة الماسة لعودة نبض الحياة لأسواق المدينة القديمة يستحق هذا الجهد والعناء، ولكن ليس على مبدأ ( الرمد أفضل من العمى )، وهو مشروع يجب أن تتوافر فيه كل شروط التغيير والتحديث والتطوير، مع مراعاة خصوصية المكان والزمان، وبما يواكب حركة الحياة المتجددة، وبمعنى أوفى نرى أن الكيفية في ترميم المحال والأسواق والاتكاء على أصحاب المحال في إنجاز الجزء الأكبر من الأعمال لا يفي بالغرض قطعاً، فالمسألة تحتاج إلى شراكة حقيقية وفعلية بين الجهات كافة تجسد الرغبة والجدية في إتمام مشروع تأهيل الأسواق وبصورة ناجزة بعيداً عن سياسة حرق المراحل وتقطيع المسافات لمآرب وأهداف دعائية وحسب.
وهنا لا نقلل من أهمية ما أنجز في هذا الملف الحيوي والتنموي، ولكن تبقى هذه الجهود منقوصة ولا تتفق مع ما هو مطلوب عمله حتى الآن، حيث تبدو الحاجة أكثر من ماسة لتدعيم قاعدة هذا المشروع، من خلال تهيئة المناخات المناسبة الملائمة، وتحسين البيئة الخدمية وضخ المزيد من الجرعات التحفيزية لتمكين رجال الأعمال وأصحاب المحال التجارية من العودة السريعة والجماعية لنشاطهم اليومي، لا أن تكون العودة جزئية والاستفادة آنية ولحظية.
إذاً المسألة تتطلب اجتهاداً فردياً وجماعياً، ورؤى منسجمة مع متطلبات النهوض الاقتصادي بشقيه الصناعي والتجاري، ويتطلب أيضاً الأخذ بعين الاعتبار، ما تقتضيه المرحلة الراهنة والمستقبلية من اجتراح الحلول الناجعة لإطلاق عجلة الإنتاج، والبحث عن أفضل السبل وأقصر الطرق لتنشيط الاستثمار في القطاع السياحي بالمدينة القديمة الذي يشكل الجزء الأهم في تحريك الحياة التجارية.
وما نأمله خلال الفترة القريبة القادمة العمل جدياً على إزالة كل المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام عودة الحياة إلى الأسواق بالزخم المطلوب.
معن الغادري