“ميكرو قرش”!
لن نتحدث عن رسوب أصحاب الأقلام الخضراء في امتحان تحسين الواقع المعيشي بعلاماته ومؤشراته الحياتية الضعيفة، بل سنكون أكثر تفاؤلاً وصبراً على البلاء المنتشر في الأسواق، وطبعاً هذا الكلام لا يندرج في خانة تحييد المسؤولية، والإبحار عكس الواقع، بل يمكن وضعه في مقام الموضوعية الإيجابية التي تطرح جميع الحالات من بوابة الواقع، بحيث تكون مرآة لحقائق موجودة ومثبتة بالبراهين والأدلة، وأبرزها مثلاً الانغماس التام في فكرة “عقلنة الدعم”، والاستسلام التام للحلول الجزئية السريعة، وما نتج عن ذلك من تطويق لقمة عيش المواطن السوري، وإحالة مدخراته إلى التقاعد المبكر، وملاحقة أصغر ميكرو قرش يدخل إلى جيبه.
ومن الناحية الأخرى مع تشعب المشهد الاقتصادي السائد والمتداخل مع الأزمة بمؤشراتها المختلفة، تفاقمت المشكلات، وزادت التحديات التي فرضت إيقاعاً حياتياً صعباً على المواطن السوري، وفي الوقت ذاته قللت من الاحتمالات المتاحة أمام الجهات المعنية التي باتت تعمل وفق مقولة أحلاهما مر، وتختار بين ما يشكّل ضرراً فادحاً، والأقل ضرراً، فالتداعيات السلبية على الاقتصاد الوطني تخطت كل التوقعات والنظريات التي كان من الممكن إسقاطها على واقع الاقتصاد السوري الذي بات ضمن تصنيفات “الاقتصاد الحربي”، والذي من الصعب تجاهل نتائج سياساته الإجبارية والاضطرارية على حياة الناس التي باتت بدورها بين فكي كماشة الإرهاب الدولي، والحصار الجائر، والعقوبات الاقتصادية الظالمة من جهة، وقلة الموارد الداعمة لخزينة الدولة من جهة ثانية.
ولا شك أن تشابك تطلعات المواطن الباحثة عن وصفة سحرية قادرة على منحه اكسير الحياة الكريمة، وإنقاذه وانتشال صبره من هاوية المحنة التي تتشعب انتكاساتها بوعود بالتدخل الإيجابي، أو بمجرد التنظير والاعتراف بصعوبة الواقع، يزيد من حدة المواجهة المباشرة مع العقم الرقابي الذي منح ارتفاع الأسعار فرصة السيطرة على الأسواق، خاصة مع انشغال الجهات المعنية بإصدار التعاميم الخلبية الداعية إلى الالتزام بالقوانين والأسعار دون أية فاعلية على أرض الواقع، وهذا الكلام يثبت الحركة التصاعدية للأسعار، فقد ارتفع على سبيل المثال لا الحصر سعر الزيت بشكل كبير، إضافة إلى العديد من المواد التي تقفز قفزات مع تبدل سعر الصرف الذي زاد من عجز الجهات الرقابية التي لابد من إعادة هيكلة دورياتها لتكون مشتركة بين أكثر من جهة، فهل سيطول انتظار الناس للفرج من بوابة الجهات الرقابية، والأخرى القارعة لطبول المحاسبة، أم سيأتي الرد العملي خلال الأيام القليلة القادمة؟.
بشير فرزان