أخبارصحيفة البعث

على أمل استدراج ردّ فعل خاطئ

 

فوجئ العالم في الأسبوع الماضي بقيام قوات البحرية البريطانية باحتجاز ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق، وهي منطقة تابعة في الأصل لإسبانيا، وقامت بريطانيا باحتلالها منذ ثلاثة قرون تأميناً لطرق مستعمراتها في الهند وأستراليا، وتنازلت عنها إسبانيا رسمياً، ولكنها لا تزال تطالب بها كلما سنحت لها الفرصة، وجاءت هذه الحادثة لتمنحها فرصة جديدة للمطالبة بها عبر شكوى قضائية في هذا الشأن، وهذا الأمر لا علاقة له برفض إسباني لعملية القرصنة.
وبغض النظر عن الخلاف الإسباني البريطاني على المنطقة، فإن الإيعاز إلى حكومة جبل طارق، التي تتمتع بحكم ذاتي تحت التاج البريطاني، جاء من واشنطن باحتجاز هذه الناقلة مع أن أساطيلها تزدحم هناك، وبرّرت بريطانيا، التي هي في طور الخروج من الاتحاد الأوروبي، هذه القرصنة بالقول: إن الناقلة تحاول أن تخرق الحظر الأوروبي المفروض على سورية، مع أن هذا الحظر إجراء أحادي، لا يسري إلا على الدول الأوروبية فقط، وذلك في محاولة لدفع أوروبا إلى الوقوف خلفها في هذا الأمر.
أثارت هذه القرصنة ردود فعل غاضبة في الشارع الإيراني، وتعالت الأصوات المنادية بإجراء مماثل ضدّ ناقلات النفط البريطانية في الخليج، ولكن القيادة الإيرانية تريّثت في اتخاذ أي قرار في هذا الإطار، لأن بريطانيا بالفعل لا تملك حرية رفض الطلب الأمريكي، ولا تستطيع طهران التجاوب مع حاجة أمريكية مفادها القول: إن إيران تمارس القرصنة في مضيق هرمز، وبالتالي العودة إلى السيناريو السابق الهادف إلى تدويل هذا المضيق، حيث إن وجود القوات الأجنبية بشكل دائم هناك تحت عنوان “حماية الملاحة” سيساهم في كشف الساحة الداخلية لإيران أمنياً، الأمر الذي يهدّد الأمن القومي الإيراني في الصميم، وذلك أن التدخل الأمريكي المباشر بات مكشوفاً، ولن يجد تعاطفاً من أحد.
ومن هنا فإن إيران لا تتعامل مع الخلاف بوصفه خلافاً مع بريطانيا، لأنها تعلم مسبّقاً أن القرار في واشنطن وليس في لندن، فما الذي تحاول الإدارة الأمريكية الوصول إليه من ذلك، وكيف جاء الردّ الإيراني؟.
إن القرار الذي تم تطبيقه فعلياً من حكومة جبل طارق التي تتمتع بحكم ذاتي تحت التاج البريطاني، يجعل من الصعب على إيران الردّ على بريطانيا مباشرة، وبالتالي فإن القيادة الإيرانية لا تزال إلى الآن تتريّث في الردّ، لأنها تعلم أنه سيتم الإفراج عن الناقلة آجلاً أم عاجلاً رغم اتّهامها صراحة بريطانيا بالمسؤولية عن ذلك.
ومن هنا فإن الذي أوعز إلى حكومة جبل طارق باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية أراد استدراج ردّ فعل سلبي من إيران ضدّ بريطانيا خارج القانون الدولي، بعد أن عجز عن استدراج ردّ فعل مماثل على تفجير ناقلات النفط في بحر عُمان واتّهام إيران بها، وهذا يعني أن الأمر الذي لم تستطع واشنطن تحقيقه من خلال الاستفزازات المتكررة لطهران في الخليج، تحاول تحقيقه عبر احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في المضيق.
وفي المحصّلة تحاول واشنطن حشد تحالف دولي في الخليج على غرار ذلك الذي أقامته إبّان غزوها للعراق، لأنها تدرك جيّداً أنها لا تستطيع أن تدخل منفردة في حرب ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مستخدمة في ذلك جميع الوسائل والسبل، وإذا لم تستطع فعل ذلك عبر تفجير ناقلات النفط واتهام إيران به، أو عبر خرق أجوائها الذي ردّت عليه إيران بإسقاط فخر طائراتها المسيّرة، فإنها ستستعين بأداتها في تمزيق أوروبا وهي بريطانيا، وإلى الآن تفشل في استدراج ردّ فعل إيراني متسرّع على الحادثة، لأن القراءة الإيرانية للموقف تحتفظ بالهدوء والعقلانية.
طلال الزعبي