كرم النظامي.. تكثيف الطبيعة في دفتر اليوميات
يعرض حاليا في صالة المعارض في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة أعمال الفنان كرم النظامي التي تصور المنظر الطبيعي بخصوصية مختلفة عن الرسم الواقعي التقليدي، فالفنان لا يقوم بتسجيل المشهد بل ينهل من ذاكرة بعيدة مليئة بالمشاهد المتخيلة والفوارة، وعن خصوصية هذه الأماكن التي يقدمها الفنان في لوحة الحلم الصغيرة والكثيفة، هذا الفنان الذي يمتلك قدرة على التجريب والذهاب بألوانه نحو توقعات لا تخلو من نزق منفعل وعالي الوتيرة على صعيد العاطفة والكينونة التي تدفعه نحو هذه التلقائية التي يوظف نهاياتها في تحقيق مشهد جديد يجسد تصويرا واقعا لطبيعة متخيلة أو لأرض ينمو على سطحها الشجر والضوء على حد سواء، وتقسمها مساحات من لون شجاع وغير متوقع يحدث تغييرا في المكان حيث السماء والأرض جغرافية واحدة مفتوحة لنزق هذا الفنان المنعتق من حرفية التصوير التقليدي والشغوف بتصوير شطحاته المتوافقة مع ذاته حيث قلقه المدلل المكتفي بنشوة المكتشف للخبيء من الطبيعة الأم التي تؤلفها بكورة الحياة والكون، حيث النقاء الخالص في اللون القوي والصريح والوضوح في التعبير وكثافة التجربة.
ربما يكتفي الفنان بمساحة مادية صغيرة من حيز الخامة مثلما يكتفي بعنوان يدونه على دفتر جيبه عن سحر مسه ذات وقت إلى حين تظهيره وتكراره حتى يقنع زائره بحميمية مشاغله مثلما يكفيه غياب التكلف في الصنعة وتحمل متاعب العرض واللوحة التقليدية، بل يكتفي بصوته الملون المسموع بجلاء على هذا الحيز بما يملك من طاقة واخزة تثير زوبعة تطيّر وزن قصيدته وتجعلها حرة ومنعتقة من أقفاص محببة عند بعض المولعين بالثابت من منتجهم حد الغرق.
كرم النظامي مسكون في القول والجملة البصرية القصيرة التي تشبه البرقية حتى أن لوحته يبرقها على عجل، وتحمل في بنية بيانها هذا النزق المحبب والصادق الذي لا يشبه أحد إلا كرم النظامي العلوق في دروب الأدب وحكمة الكلمة واللوحة، والمشغول بهواجسه الجميلة التي يحشرها ويحشرنا معا.. حينها نلتقي مع حلمه الذي أربكنا بما ارتكبت يداه من جمال.
أكسم طلاع