بيدرسون.. “محطة تقنية”
رغم أن التفاؤل كان واضحاً في تصريحات المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون، عقب محادثاته، أمس، مع الوزير المعلم، إلا أن جملة التصريحات والتحرّكات والمواقف التي حرص تحالف العدوان على إطلاقها، بالتزامن مع وصول ووجود بيدرسون إلى دمشق، لا تشي بأن هناك رغبة جدية في تسهيل مهمته، أو مساعدته على ذلك!. لقد غرقت وسائل الإعلام البترودولارية والأردوغانية والأطلسية (العربية منها والغربية)، على امتداد الأيام الماضية، في الترويج لأخبار وتحليلات رغائبية حول “إحباطات”، و”خلافات” و”ضغوط” و”تغيير مقاربات” وإمكانية حدوث “تغيّرات تكتيكية اضطرارية”، لابد أنها ستدفع سورية للقبول بما كانت ترفضه. وللمفارقة، فقد ترافق ذلك مع إطلاق الجيوش التكفيرية الإرهابية حملة “تخويف” إعلامية والترويج لتقدّمات واختراقات مزعومة في بعض نقاط التماس في ريفي حماة واللاذقية، وإعلان النظام الأردوغاني عن الزج بقوات جديدة داعمة للفصائل الإرهابية، في وقت كان المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية جميس جيفري، والسفير الأمريكي وليم روباك، وقائد القوات الأمريكية في سورية والعراق الجنرال بلاك ميران، يعقدون اجتماعات مع ما يسمى “أطرافاً محلية” في المنطقة الشمالية الشرقية تركّز على الوضع الخدمي والإنساني “في إطار التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن المنطقة وضمان أمنها واستقرارها”، وتأكيد كل من لندن وباريس موافقتهما على زيادة الوجود العسكري في سورية، واستعداد إيطاليا لتلبية دعوة الرئيس ترامب للمساهمة بملء الفراغ الذي سيخلفه انسحاب بعض القوات الأمريكية، ولن نغفل أيضاً، وفي هذا السياق، إقدام عناصر البحرية البريطانية قبل أيام على احتجاز ناقلة نفط إيرانية عملاقة في مضيق جبل طارق بذريعة أنها متوجهة إلى الموانئ “السورية”.
والحقيقة فإن كان ذلك يشي بشيء ما، فهو إن معسكر الحرب على سورية لايزال يعتبر نفسه قيد إنجاز “المهمة”، وأن ملف الحرب على سورية يجب أن يبقى مفتوحاً حتى إشعار آخر، ولحين الوصول إلى ما يراه نقطة مناسبة تؤهّله الخوض في “عملية تفاوضية واعدة”، وأن مهمة بيدرسون لا تعدو بالنسبة له مجرد نافذة للمزيد من المماطلة وتمرير الوقت بانتظار حصول تغيرات “جذرية” – وليست تكتيكية” – تضمن له النفاذ لتمرير الشروط السياسية والدستورية التي تمكّنه من تحصيل نتائج على الطاولة لم يستطع تحصيلها بالحرب الإرهابية، وهو ما لم يحدث في أصعب الأوقات والمراحل، ولن يحدث أبداً طالما أن الشعب السوري يتحسس كل يوم بشاعة وفظاعة ما كان يخطط له ولمستقبله، ليدرك تماماً أن الحرب الاقتصادية، التي باتت تطال قوته اليومي ولقمة عيش أطفاله، لا تقيم وزناً لأية اعتبارات إنسانية أو أخلاقية، وأنها لا تقف أمام أي وازع، وأن من يقودها مجرمون عتاة، وبالفطرة، لا يعرفون الشفقة أو الرحمة، ولا يمكن الوثوق بهم، أو الاطمئنان إلى دعاواهم الكاذبة والخبيثة المشبعة بروح النفاق والازدواجية.
لقد سبق التشويش على جهود بيدرسون وصوله إلى دمشق بأيام عديدة، وحاولت وسائل الإعلام الغربية استباق أي تقدّم يلوح في الأفق من خلال تأطير الحديث عن اسمين أو ثلاثة أو أربعة من أعضاء “اللجنة الدستورية”، في حين أن صلب المشكلة يكمن في شعور معسكر الحرب بأنه خاض مغامرة مكلفة وباهظة الثمن انتهت بعد ثمانية أعوام من الفشل الذريع إلى العودة إلى نقطة البداية، بمعنى أن تشكيل اللجنة الدستورية لن يكون نهاية المطاف، بل هو محطة “تقنية”، وقد تكون بروتوكولية، للنفاذ إلى القضاء الكامل والنهائي على كل أشكال الإرهاب في سورية وإيجاد حل سياسي للأزمة على أساس مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري السوري في سوتشي ووفق القرار 2254، الذي ينصّ على أن السوريين هم من يحددون مستقبل بلادهم بأنفسهم دون أي تدخل خارجي، وأن التنظيمات الإرهابية خارج أي عملية سياسية.
لقد مكّن تفهم وإيجابية بيدرسون، حتى الآن، من “تحقيق الاختراق”، وكسر حالة المراوحة التي كان كرّسها سلفه دي ميستورا، طوال السنوات الماضية، ولم يتردد المبعوث النرويجي أمس في التعبير عن المناخ الجديد الذي ميّز مباحثاته في دمشق، بما يشكّل شهادة صريحة على تعاون سورية وسعيها لدفع مهمته. ولكن أي اتفاق على اللجنة الدستورية لن يكون نهاية المطاف، فالعراقيل لن تنتهي، وتفسير القرار 2254 سيدشن معركة أخرى لا تقل فظاعة، وقد يتمّ من خلالها المضي إلى آخر الشوط في دعم العصابات الإرهابية.
بسام هاشم