صحيفة البعثمحليات

عين الكروم تنعي أشجارها و10 آلاف زيتونة و”تينة” ومئات الأشجار المعمرة التهمتها ألسنة النار

دمشق- نجوى عيدة

لم يكن 31/8 يوماً عادياً بالنسبة لأهالي عين الكروم في محافظة حماة، فقد تسلّلت النار خلسة وفي وضح النهار إلى غاباتها واغتصبت بكارتها، وجعلت أرضها ثكلى تنعي أبناءها من زيتون وسنديان وبلوط وغيرها من أشجار مثمرة وطيور نادرة، لتخلّف وراءها رماداً يعمي العيون ويقضي على ذاكرة من قضى أجمل أيامه بين خضرتها وكهوفها المنحوتة من الصخر. شيّعت عين الكروم خسارتها بصمت، فلن يشعر أحد بألم أهلها بعد أن أعلنوا إفلاسهم، إذ كانوا قبل ذلك التاريخ أغنياء لا يحسدون حديثي النعمة والمترفين وأصحاب الموائد الضخمة، لأن الطبيعة كانت تمنحهم عطاياها التي بمنظارهم تساوي كنوز الأرض، ليصبحوا اليوم فقراء يستحضرون ذاكرة خضراء كانت بالأمس ها هنا.

ألسنة النار التي ارتفعت أكثر من 30 متراً كانت كفيلة بحرق أحلام الناس البسطاء، وحالة التخبّط التي عاشها المعنيون أثبتت فشلهم الذريع في إدارة الأزمات، وإن قلنا أزمات فإننا نخفّف من هول ما جرى ونطعن بحرمة الطبيعة، إنها كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما سقطت حكمة “حماة الطبيعة” عند أول ساعة من اندلاع النيران، إذ أكد الأهالي ممن تواصلت معهم “البعث” أنه كان بالإمكان إخماد الحريق والحدّ دون توسعه، لكن التأخير هو الذي أدى لخروج النار عن السيطرة، والتكلفة كانت كبيرة وموجعة على قلب من اختبر تلك الجبال وقضى نصف حياته في أحضانها قبل أن تسرقه أنوار المدن الرئيسية.

10 آلاف شجرة مثمرة ما بين تين وزيتون وكروم بأكملها، إضافة لمئات الأشجار المعمّرة التهمتها النار بأقل من ساعة، وحتى الآن لم يتضح السبب الحقيقي وراء جنون النار، في وقت يروي الأهالي أن مفحماً يقع بجوبة يوسف تحديداً إلى الشمال من جوبة التوت وبخطأ صغير من أحد الأشخاص المبتدئين ممن حاولوا التفحيم، خلّف وراءه خطأ جسيماً، وأكد البعض أن الحريق كان بالإمكان إخماده لكن قلة التدبير جعلت أقل من 24 ساعة كافية ووافية لالتهام عشرات الهكتارات.

80 زيتونة كانت حصيلة خسارة أستاذ الفيزياء فادي، وفشلت جميع محاولات إطفاء النار التي شارك فيها الأهالي ولحق بهم الضرر واحترقت أجسادهم كما أرواحهم. تميم أستاذ في مدرسة ابتدائية يقول: احترقت أشجار منطقة المغاوري أمام عيني وأنا أملأ دلو ماء لكن دون جدوى. أبو عيسى يقول: قمت أنا والجيران بنقل الأبقار لمكان آمن خوفاً عليها وعدنا للمشاركة بإطفاء النار.

لن نبخس جهد عمال الإطفاء وكل من شارك في إخماد الحريق، ولاسيما أن المنطقة وعرة وهناك صعوبة كبيرة بالوصول والتنقل بين وديانها وصخورها، لكن من واجبنا نقل ما جرى في تلك الجبال، حيث أكد مسؤول بلدي رفض ذكر اسمه أن أحد المسؤولين الكبار لم يزر المنطقة حتى الساعة التاسعة ليلاً، حيث قام بالتقاط الصور وعاد إلى مكتبه البارد، أما سيارات الإطفاء التي اعتقد البعض أنها (بردا وسلاما..!!) فقد جاءت بمضخة خارجة عن الخدمة أو بخراطيم مهترئة تخرج منها المياه قبل وصولها للنار، ليقول أحد المعنيين ممن كانوا على اطلاع بمجريات الحريق وتحفّظ عن ذكر اسمه: إن النار انطفأت –بمعظمها- بمفردها بعد الوصول لمنطقة جرداء، ليبدأ قذف التهم وتبادلها والتحقيق بملابسات الحريق للخروج بنتيجة تطفئ النفوس الملتهبة.

قد يكون خطأ مفحم أو زجاجة مشتعلة وغيرها الكثير من الاحتمالات التي لا يد للمسؤولين فيها، لكن قلّة الآليات التي “أكل عليها الدهر وشرب”، إلى جانب عدد عمال الإطفاء القليل هي مهمّة المعنيين. وهنا يقول أحد الموظفين في حراج الغاب إن هناك قضايا يخشى الكثيرون طرحها وهي لبّ المشكلة، فقبل الحرب كان هناك غابات عمرها حوالي 60 سنة وكانت الحرائق تندلع فيها لكن على نطاق ضيق وضمن الإمكانيات ويمكن السيطرة عليها، أما اليوم فالإمكانيات صفر. ويضيف: ما جرى لم يحصل  منذ 50 عاماً، وقانون الحراج الذي كان فعالاً قبل الأزمة لا يجد نفعاً اليوم، فالغاب ذو كثافة سكانية عالية، وأن تتركهم الحكومة دون تدفئة لعشر سنوات ويمنعون من دخول الغابات أمر غير منطقي، كل هذه المعطيات أدت لاختراق القانون 100%، وحتى الطبقة التي يعوّل عليها احترام حرمة الغابة بدأت بدخولها وقطع الاشجار بقصد تدفئة أبنائهم في الفترة من 2011 حتى الـ2014، بمعنى أنه لا يمكن تطبيق قانون الحراج في الظرف الحالي إلا في حال تأمين التدفئة للمجاورين للغابات وتطبيق القانون بشكل صارم تفادياً لكوارث أخرى. في حين أشار إلى أن الجهات المتنفذة هي نفسها كانت تدخل وتقطع الأشجار، وهو أمر معروف عند أهالي المنطقة. بصراحة –والقول له- عامل الحرائق بـ40 ألفاً لن تكفيه ثمن ثياب الوقاية من الحرائق، ويجب إعطاءه أجره بشكل صحيح، إذن المشكلة بقانون الحراج وكيفية جعله قريباً من الناس ليقوموا بأنفسهم بحماية الغابة، إذ لا يوجد شخص يحرق أرضه إلا في حالات العوز، إضافة لزيادة عدد الآليات واستجرار الحديث منها والمتطوّر، وإعطاء عامل الحراج حقه والنظر بعين المسؤولية إلى تلك القرى الفقيرة والقابعة في “أحضان” الغاب الذي بات بطريقه إلى التصحر.