“كم تمنيت لو كنتِ معي”.. المعرفة كشكل من تسلق الجبال
اختصر د.هشام سعيد الحلاق في كتابه “كم تمنيت لو كنتِ معي.. حوارات معرفية في قصص مختلفة” العنوان بالمقولة التالية “المعرفة مثل تسلق الجبال، كلما ارتقيت فيه لأعلى زاد ما يمكنك رؤيته وتقديره”.
يحاول الكتاب التركيز على الأسس التي تُبنى الحوارات عليها، مثل وضوح العبارة وصدقها من أجل الوصول إلى الحقيقة، بعد توفر الدلالات الموضوعية المؤدية إليها، وتبيان أهمية التعامل مع المعاني الحقيقية للتفكير الناقد، وما يعني ذلك من انفتاح على أفكار الآخرين، والإقرار بأن لديهم أفكاراً مضافة تثري تلك الحوارات، والتمييز في أثنائها بين التفكير العاطفي والتفكير المنطقي، والحرص أيضاً ما أمكن على استخدام مفردات لغوية قادرة على إيصال ما يريده كل طرف من الآخر فيها بسهولة ويسر، بعيداً عن التوتر النفسي أو التعصب الفكري بين الأطراف المعنية بتلك الحوارات، مع الإشارة إلى أهمية الرجوع في مثل هذه الحوارات –ومن قبل المعنيين بها- إلى المصادر العلمية الموثوقة بغرض الوصول ما أمكن إلى الحقائق والاستنتاجات المطلوبة.
هذا العمل نوعاً ما رافداً معرفياً نوعياً لقرائه، بل لكل المعنيين بالعمل التربوي –من أرباب أسر أو مربين في المؤسسات التربوية المختلفة- بما يحمل من رسائل مختلفة تدعو للاهتمام أكثر بأبنائنا المتعلمين، على أنهم المحور الأساس في العمل التربوي، وبما يجعلهم من أهم صانعي المعرفة وليس من المتلقين لها فحسب.
يسعى الكتاب لتلبية حاجات معرفية متنوعة لدى كثير من القرّاء –الناشئة منهم- عبر حوارات ممتعة تجيب في مضمونها عن كثير من الأسئلة.. يتحقق من خلالها الوقوف على حقائق ثقافية مهمة في الإطار العلمي والتربوي بل الحياتي عامة.
ورد في كتاب “كم تمنيت لو كنتِ معي.. حوارات معرفية في قصص مختلفة” موضوعات جاءت على شكل قصص قصيرة يحاول الكاتب أن تكون هادفة ومشوّقة، حملت وبحسب ترتيب ورودها العناوين الرئيسية التالية: “قصة الكتابة” والتي جاء بها “الشيء الوحيد الذي يحول بين الإنسان وبين ما يريد تحقيقه في الحياة غالباً ما يكون في ضعف قدرته على المحاولة، أو لضعف إيمانه بأن ما يريده يمكن أن يتحقق”.
يبدأ الحوار بين سارة وأباها عندما رأت اللوحات المعروضة ضمن أقفاص زجاجية في إحدى القاعات الفسيحة للمتحف الوطني للآثار، وسألت عن معنى اللوحات، واقترح والدها النظر إلى ما كتب في أسفل هذه اللوحات التي تُعرّف بها وتدل على محتواها.
الاستنتاج من هذا يقول: إن الكتابة قد أسهمت ومنذ أقدم العصور إسهاماً كبيراً ومحورياً في حياة الشعوب، وفي توثيق مظاهر عيشها، وبذلك فإن مثل هذه اللوحات التي بدت لك من أول وهلة غير مفهومة، هي بمنزلة سجلات ووثائق مكتوبة قدمت لنا الكثير من المعارف والمعلومات والصور عن تلك الشعوب وأشكال حضاراتها، وهي كما اعتبرها الكثير من علماء التاريخ والآثار قد شكلت حداً فاصلاً في حياة البشرية بين ما يسمى بعصور التاريخ وعصور ما قبل التاريخ.
والعنوان الثاني “كم تمنيتً لو كنتِ معي” الذي جاء فيها “ما العالم إلا صفحة بيضاء تلونها المخيلة” والحوار يكون من خلال ندوة بعنوان “التفكير الإبداعي وخصائص المبدعين” قدمتها سلمى في المدرسة، تكرر ولأكثر من مرة لصديقتها هلا “كم تمنيتُ لو كنتِ معي” حتى قبل أن تسلّمي عليّ.. فما الأمر؟.
تتوصل بعد عدة حوارات تخص الندوة إلى صفات المبدعين الذين يتمتعون بسمات شخصية وعقلية ونفسية تنسجم مع ما يمتلكون من قدرات إبداعية خاصة بهم، يستخلص بحب الاستطلاع والاستفسار والمثابرة في حل المشكلات، والرغبة في التقصي والاكتشاف وتفضيل المهمات العلمية والرياضية والأدبية، والتمتع بخيال واسع وقدرة عالية على التصوير الذهني.
والعنوان الثالث: “الإنسان المخرّب للبيئة” “غيّر أفكارك وسوف تغير عالمك، حيث تناول مدرس العلوم إحدى الطباشير وتقصد أن تكون من اللون الأحمر، ثم خط في منتصف السبورة وبحروف كبيرة عبارة “الإنسان المخرّب”؟ ومن شدة دهشة الطلبة قالوا: ماذا يريد أستاذنا من تلك العبارة؟ أهي عنوان لدرس جديد غير موجود في كتابنا المقرر؟ أم ستكون عنواناً لقصة سيرويها لنا؟
رد المعلم بعد برهة صمت ليخلّص طلابه من حيرة أوقعهم فيها: ستكون هذه العبارة عنواناً لبحث صغير سيقوم بإعداده فريق منكم، ويكمل الحوار للوصول إلى نتيجة معرفية.
والعنوان الرابع “شعوب العالم” والتي تعتمد على مجموعة من الأصدقاء الشبان تنتظر أمام شاشة التلفاز بدء المباراة المرتقبة بين فريقين. مع الرياضة الفكرية والذي يبدأ بمقولة “فكّر أفكاراً كبيرة، ولكن استمتع بالمتع البسيطة”.
جمان بركات