السوق المحيرة..!
توقع كثير من الاقتصاديين أن تُغيّر الأزمة من المشهد العقاري خاصة لجهة جنوح السوق بشكل لا يتناسب مع الواقع المعيشي، ولجهة المؤهلات الحقيقية والصفات الفنية والعمرانية الملموسة والموقع الجغرافي لأي وحدة سكنية أو تجارية، ولاسيما بعد أن دخل إلى السوق مئات الآلاف من الوحدات السكنية المخالفة..!
إلا أن الواقع يثبت أن السوق لا تزال مرهونة بالدرجة الأولى بالمزاجية المبنية على قناعة التجار والشقيعة وما لف لفيفهم من أصحاب المكاتب العقارية بأن (العقار يمرض ولا يموت)، فمن غير المعقول على – سبيل المثال لا الحصر- أن تعرض شقة في ضواحي دمشق لا تتجاوز مساحتها الـ35 م2 للبيع بسعر 15 مليون ليرة سورية، وأن يعرض سعر المتر التجاري بمليون ليرة سورية في منطقة ليست تجارية بامتياز..!
فرغم حالة الجمود والرغبة الحقيقية للبيع لدى كثير من المالكين إلا أنهم لا يزالوا يتمسكون بأسعار لا تتناسب والواقع الراهن، باستثناء قلة قليلة غالباً ما تكون مضطرة للبيع بدواعي السفر..!
فلا تزال حركة السوق العقارية تتماشى طرداً مع مؤشر تواتر الأزمة الذي لم يستقر بعد عند نقطة يمكن أن تشكل انطلاقة جديدة لقطاع متمرد نتيجة تفرده بخصوصية تحليقية خارج سرب المنطق التجاري وأدبيات السوق المعروفة عالمياً، وقد تسبب تذبذب مؤشر السوق بعدم وضوح الرؤية لدى المراقبين والمحللين لتوجه السوق، حيث أدت الأحداث بمرحلة من المراحل إلى إحداث تباطؤ في نشاط السوق بصفة عامة رغم حالات الصعود والهبوط النسبية لهذه الحركة بين الحين والآخر، إلى جانب توقف العديد من المستثمرين والأفراد عن شراء الأراضي السكنية تمهيداً لاتضاح الرؤية حول توجهات الأسواق والأسعار، وما قد تسفر عنه بعض توجهات وقرارات الحكومة وتحقيق وعود مؤسسة الإسكان بتنفيذ المشاريع الإسكانية، والمخططات السكنية بشكل عام من جانب وزارة الإدارة المحلية، ومساعي مجالس المدن والبلدات التي أسمعتنا كل هذه الجهات بأنها تعمل على إنجاز مخططات سكنية متطورة…!
إن هذا المشهد المشوّه لقطاعنا العقاري – إن صح التعبير- بات بحاجة لحلول جذرية ومن طراز خاص، تحقق له التوازن أسوة بنظرائه في دول العالم، وتحدث نقلة نوعية تعيد تسييل الأموال الموظفة في السوق بحيث تحدّ من المضاربة، وتفسح المجال أمام المنافسة الحقيقية، ولعل أفضل السبل لتحقيق ذلك هو توجيه فوائض الأموال المودعة في المصارف لإنتاج وحدات سكنية بأسعار منافسة، فدخول المصارف على خط التمويل العقاري مسألة في غاية الأهمية نظراً لدورها المهم لحل أزمة السكن..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com