عقلية الحرب الباردة
بعد أن كشفت التقارير أن السفير البريطاني لدى الولايات المتحدة تناول أداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في برقيات مسرّبة إلى وزارة الخارجية البريطانية، رد ترامب مباشرة بوصف السفير بأنه “رجل غبي للغاية”، وعلّق وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت: إن سلوك ترامب “غير محترم”.
التوتر الأمريكي – البريطاني ليس الأول على المستوى العالمي، ففي الآونة الأخيرة، قال ترامب: إن “فيتنام تستفيد منا حتى أسوأ من الصين”، كما ألقى اللوم على أوروبا بطريقة مماثلة، وفي وقت سابق ادعى أن التعريفات الهندية على المنتجات الأمريكية “لم تعد مقبولة”، وهذا يقود إلى أن النظام العالمي مختل وظيفياً في بعض الجوانب الرئيسية، وهو الشيء الذي ينشر الشعور بعدم الأمان. وبعد أن اتخذت الولايات المتحدة بعض التحرّكات خارج القواعد التقليدية أصبحت أكثر همجية في التفكير، في حين أن الآثار السلبية بدأت تختمر.
وتُظهر آخر المشاحنات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة العلاقات المتردية بين واشنطن وحلفائها، إضافة إلى أن الانتقاد الشديد من ترامب للسياسات التجارية للهند وفيتنام يرسل إشارة إلى أن الهجوم التجاري الذي شنته الولايات المتحدة هو مجرد بداية، ولا بد أن يتبعه صراعات لا نهاية لها.
في الطرف الآخر، لم تحل الأزمة النووية لشبه الجزيرة الكورية، وعادت مشكلة الملف النووي الإيراني إلى الظهور بعد أن ساهمت الولايات المتحدة بشكل أساسي في تصعيدها. جرت العادة أن يكون السلام والاستقرار مصلحة مشتركة لجميع الأطراف المعنية، لكن المشكلة النووية الإيرانية تقدّم منظوراً آخر: الاضطرابات تخدم أحياناً مصلحة بعض القوى الغربية.
لذلك سوف يستمر العالم في تلقي المفاجآت، وستشكل الشكوك تحدياً لمزيد من البلدان، والسبب الأساسي هو تباطؤ الاقتصاد العالمي، وهذا يجعل البلدان المتقدّمة في حالة ارتباك في مواجهة المستقبل، خاصة أن الولايات المتحدة هي التي تنشر القلق في جميع أنحاء العالم.
نحن في زمن تحدث فيه تغيّرات كبيرة دون شعور واضح بالاتجاه الذي تأخذه العلاقات الدولية، ومن المحتمل أن يتغيّر قانون معين، مثل ذاك الذي يقول: إن الدولة ذات القوة والحجم الوطنيين أكبر قدرة على فهم المخاطر في وقت الاضطراب.
أمام هذا كله، يجب أن يكون الثبات هو الكلمة الأساسية لاستراتيجية الصين الحالية، لأن ما يحدث بين الصين والولايات المتحدة هو أكبر حرب تجارية بعد أن حدّدت واشنطن بكين كخصم استراتيجي. ومع سقوط العالم في الفوضى، ستحتاج جميع الدول، بما فيها الولايات المتحدة، إلى الصين، حيث تشير الدلائل إلى استئناف المحادثات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، ولكن سيكون من الصعب للغاية التوصل إلى اتفاق ضمن الإطار أعلاه، إلا أن هذه الصعوبة لا تعتبر ذات أهمية، فالصين لا تحتاج إلى التسرّع في التوصل إلى اتفاق، فالعمل بشكل جيد في القضايا الأخرى لا يقل أهمية عن إبرام اتفاق.
عناية ناصر