رأيصحيفة البعث

الاتحاد الأوروبي مسلوب الإرادة

سنان حسن

لم يكن مفاجئاً أن يمدّد الاتحاد الأوروبي عقوباته على مركز البحوث العلمية السورية، فالساسة الأوروبيون يؤكدون من جديد أنهم أداة بيد الولايات المتحدة الأمريكية، وأنهم رغم حديثهم المستمر عن تمايز في المواقف عن واشنطن وأن لبروكسل أسباباً خاصة في التعاطي مع الملف السوري بالتحديد، لا يستطيعون حتى الآن شقّ عصا الطاعة للسيد الأمريكي، وإن كان على حساب مصالحهم الأساسية.

فالتبريرات التي ساقها بيان مجلس الاتحاد الأوروبي لتمديد عقوباته على المؤسسة الوطنية السورية تحت ذريعة تطوير الأسلحة الكيميائية، ما هي إلا أكاذيب يصرّ من خلالها المسؤولون الأوروبيون على التعمية على الانحرافات الكبيرة التي ارتكبتها منظمة حظر السلاح الكيميائي بحق سورية، وبالتحديد في استفزاز دوما 2018 وما حصل بعده من كشف عن تزوير ممنهج قادته المنظمة لتغيير التقارير التي كتبها محققوها من الأرض في دوما، واستبدالها بفبركات إعلامية لاتهام سورية وتبرير ما جرى لاحقاً من أفعال بحقها، وما كشفته صحيفة ديلي ميل البريطانية وموقع “ذي غري زون” الإخباري يؤكد ذلك، فضلاً عن المساءلة التي حصلت لمنظمة الحظر الكيميائية ورئيسها تحت قبة البرلمان الأوربي الذي من المفترض أنه السلطة الأعلى في الاتحاد، حيث أكدت عضو البرلمان عن إيرلندا كلير دالي “أن المنظمة فقدت استقلاليتها التي تُعتبر أمراً حيوياً في عملها وأحد الأسباب والأدلة الرئيسية على ذلك هو الهجوم الكيميائي المزعوم في دوما وما رافقه من جدل”، دون أن نغفل أيضاً اعتراف هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي أن الفيلم الوثائقي الذي أعدّته الصحفية الاستقصائية كلوي هادجيماتيو عن استفزاز دوما يحتوي على أخطاء خطيرة وادعاءات كاذبة.

وبالتالي أمام كل هذه الحقائق والوثائق التي تدحض الاتهامات الموجّهة إلى سورية، يصرّ مجلس الاتحاد الأوروبي على قراره تمديد العقوبات، دون أن ننسى أن قرار العقوبات الأوروبية على المركز العلمي في جانب منه خدمة للكيان الصهيوني وللإبقاء على تفوّقه العلمي على حساب دمشق.

والحال هكذا، فإن التبعية الأوروبية العمياء لما تريده واشنطن ليس فقط في سورية وإنما في العالم كلّف ولا يزال يكلّف الأوروبيين الكثير، سواء معنوياً أم سياسياً أو اقتصادياً، وقد بدا هذا واضحاً خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الذي اتخذ الكثير من القرارات وخرج من الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد دون أن يستشير قادته في أمر منها، لا بل هدّد بفرض عقوبات على المنتجات الأوروبية ومنعها من دخول الأسواق الامريكية “المنتجات الفرنسية” مثال، والأمر مستمر مع الرئيس جو بايدن الذي لم يتوقف عن هذه الأفعال المهينة بحق الاتحاد “أزمة الغواصات والغاز” وكلها أمثلة على عدم اكتراث واشنطن بالموقف الأوروبي ومآلاته، فسيّد البيت الأبيض مطمئن أن أحداً من عبيد أوروبا لن يرفع رأسه ويقول أنا ضدّ سياسة واشنطن.

وفي ذلك، يقول جاك ديلور، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية: إن “أوروبا مثل الدراجة التي يجب أن تستمر في الحركة دائماً لأنها إذا توقفت تسقط”. وبالتالي فإن المواقف الأوروبية جاهزة ومعدّة مسبقاً ولا تعتمد على القراءة الحقيقية والموضوعية للمشاهد والملفات القائمة رغم امتلاكها الأدلة والوثائق التي تؤكد عدم صحّة قرارها، وهي كما أكدت الخارجية السورية في بيانها ردّاً على تمديد العقوبات “تثبت مجدداً فقدانها للحد الأدنى من استقلالية القرار وأنها غير مؤهّلة للاضطلاع بأي دور إيجابي على الساحة الدولية”.