“الحمد لله”؟!
لم تغادر كلمات الشكر والحمد ألسنة الناس رغم كل الظروف والمحن، فقد بقيت الأسواق عامرة والمواد متوفرة بكل أصنافها وأنواعها سواء المنتجة محلياً أم المستوردة، وكل ذلك تحت رقابة الجهات المعنية، وطبعاً نستثني من هذا الواقع المريح بعض “المنغصات” التي فرضتها أحداث الحرب وظروف الحصار، إضافة إلى تلك المندرجة في ذمة بعض المحتكرين والمتاجرين بالاقتصاد الوطني ولقمة عيش المواطن الذي يجد نفسه دائماً بين فكي كماشة اقتصادية لا ترحم سواء على مستوى الدخل أو على مستوى المعيشي العام.
واليوم مع تبلور نتائج القرارات التي صدرت لترشيد الاستيراد ومكافحة التهريب على الحالة الاقتصادية والمعيشية، نجد أنه لم تغب كلمات الشكر والحمد أيضاً، فالمواد متوفرة ولم تنقطع أي مادة من السوق، ولكن الفرق أو الاختلاف الوحيد أن قسماً كبيراً منها يدخل بصورة غير شرعية وبعيداً عن الرقابة وبأسعار مرتفعة ودون أن تستفيد منها خزينة الدولة، فيما عدا بعض المواد المستوردة لصالح بعض المحتكرين الكبار التي يحصدون من خلالها المليارات، وهذا ما يضع خارطة الطريق المتكاملة لـ”إعلان سورية” دولة خالية من المواد المهرّبة في مدى زمني أقصاه نهاية العام الجاري في حالة حرجة تثير المزيد من التساؤلات وإشارات التعجب عن فعالية عمليات البحث عن كل ليرة ضائعة على الخزينة العامة، وعن حقيقة الإجراءات المتخذة لسدّ كل منفذ يتسبّب بتسرب الموارد، وعن التحذيرات شديدة اللهجة التي أُطلقت باتجاه كل من يعبث بمقدرات الاقتصاد الوطني ويتكافل بشكل مباشر أو غير مباشر مع إسقاطات الحرب الاقتصادية.
وبالعودة إلى الواقع والاستشهاد بالأسواق التي تعيش تحت وطأة السياسة الاقتصادية بإجراءاتها الترشيدية نجد ذلك الحضور المشبوه لكميات كبيرة من السلع الكمالية المستوردة التي تملأ الأسواق ومن جميع الأصناف، حتى ذلك المكنى “لبن العصفور”، كما يتبيّن ومن منظور علاقة سياسات ترشيد المستوردات بالحفاظ على القطع الأجنبي أنه ليس للاستيراد علاقة بالقطع الأجنبي وزيادة الطلب عليه، والدليل على ذلك ارتفاع سعر الدولار إلى 600 ليرة سورية، وبشكل يرفع الغطاء عن انزياح خطير أو بالأحرى انحراف في مسار التوجهات الاقتصادية لصالح القلّة من أصحاب الامتيازات والاستثناءات.
والحقيقة المستخلصة من واقع الإجراءات المطبقة تقول: إن الأسواق ممتلئة بالسلع المهرّبة نتيجة ملاحقة تاجر المفرق وترك حيتان السوق يسرحون ويمرحون على مرأى الجهات الرقابية (الجمارك) التي لم تستطع حتى الآن تقديم إجابة واضحة حول كيفية دخول السلع المهربة، بينما تبرع في تقديم أرقام مليونية عن إنجازات حملتها، وبالمحصلة آن الأوان لوقف هذا النزيف المتفاقم وإطلاق حزمة إجراءات جديدة تواكب المتغيّرات المحلية والدولية، سواء لناحية كسر الحصار أو لجهة إخراج الترشيد من شرانق الاحتكار والتنظير الاقتصادي غير المجدي وبشكل يتيح العبث بمقدرات البلد وضياع المليارات التي تتمّ ملاحقتها من جيوب المواطن المتحصّن دائماً بعبارة “الحمد لله”؟!.
بشير فرزان