نهلــــة كامـــــل و”الشــــرق الغــــارق المتوســــط”
أمام قسوة الظروف التي أحاطت بها كمديرة لمكتب الوكالة السورية للأنباء في بيروت بعد غزو العراق وهجوم إستراتيجية الفوضى والحرب الصهيونية على لبنان، والحرب المؤلمة على وطنها سورية والغوص في كتابة الخبر والتقرير والدراسة كان لابد لروحها أن تتكئ على القصيدة لرصد ارتداداتها ووضع المعاناة في فضائها الواسع هرباً من اليأس والكآبة والتسطح والاختناق.. وهكذا تراكمت لديها عشرات الأوراق كانت مرادفة للخبر والحدث والحياة، وقد صدرت مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان “الشرق الغارق المتوسط” ومع إيمانها أن الكتابة بحد ذاتها غاية تجوهر النفس، إلا أنها عملت بنصيحة الشاعر السويدي توماس ترانسترومور الحائز جائزة نوبل للآداب عام 2011 الذي حَررته الكتابة ثم النشر من كونه أبكماً، إذ قال: “اطبعوا وانسوا” حتى لا تبقى نصوصها ثقلاً كبيراً على ذاكرتها، ولتصبح جزءاً من ذاكرة الحياة.
خلاصة تجربتها
تبين نهلة كامل في تصريحها لـ”البعث” على هامش حفل توقيع كتابها الذي أقامته مؤخراً في فندق الأرميتاج بحضور عدد من الشخصيات الثقافية والأدبية والفنية أن الكتاب يخص الصحفيين كثيراً لأنه خلاصة تجربتها كمديرة لمكتب سانا في بيروت لمدة 12 عاماً عاصرت خلالها كل الأحداث الهامة في منطقة الشرق الأوسط وقد شجعها أصدقاء ومثقفون وشعراء وكتّاب كبار على إصدار ما كتبته ضمن كتاب، فكان كتاب “الشرق الغارق المتوسط” الذي يرصد أحوال الشرق الأوسط في هذه السنوات والتحديات التي واجهته من حروب، عاكسة فيه كل ما هو إنساني، خاصة وأن الشعر الذي يكتب دون أن يكون النشر غايته بالدرجة الأولى يكون برأيها أكثر صدقاً وجرأة وحرية، موضحة أن ما كتبته هو يوميات من حيث أنها كانت الوجه الآخر للبحث السياسي، وأن شعر اليوميات شعر معروف منذ أكثر من نصف قرن، وأشهر من عُرِف به الكاتب اليوناني مانيس ويتسوس الذي كان يكتب عن يوميات الإنسان وتفاصيل دقيقة في حياته، مشيرة إلى أن كل الشعراء الحديثين اتجهوا إلى اليوميات والتفاصيل الحياتية، وهذا ما كان غائباً عن القصائد القديمة التي كانت مترفعة عن الخوض في تفاصيل الحياة اليومية.
معاً نبتكر المستقبل
وتؤكد كامل أنها على صعيد الشكل حاولت في نصوص “الشرق الغارق المتوسط” أن تكون قصائدها رشيقة ومختصرة وواضحة لأنها لا تميل إلى الغموض، وقد سعدت كثيراً عندما قال لها بعضهم أنهم أحبوا ما كتبته لأنه بسيط ويشبههم.. أما في كلمتها التي افتتحت بها حفل التوقيع فقد استشهدت في بدايتها بما كتبه الشاعر أدونيس عن سورية في الخمسينيات: “من هنا.. من موطني أبتكر مستقبلي” ولذلك كانت مصرّة على إرفاق توقيعها على الكتاب بعبارة أهدتها للجميع: “معاً نبتكر المستقبل” لإيمانها أن كل البلدان التي تمر بظروف قاسية وحروب وأزمات تصبح بأمسّ الحاجة لأفراد قادرين على الابتكار والإبداع.
الكاتبة والصحفية
ويشير د.صابر فلحوط الذي حضر حفل توقيع كتاب “الشرق الغارق المتوسط” إلى أن حفلات توقيع الكتب التي نشطت في الآونة الأخيرة أسلوب اتبع مؤخراً لتشجيع الكاتب وتحفيز القارئ، وهي أنشطة مهمة في فترة تشهد عزوفاً كاملاً عن الكتاب بسبب وجود الشابكة ووسائل الاتصال الالكترونية وأنه سعيد لوجوده في حفل توقيع كتاب كامل وقد عملا سوية ولفترة طويلة في اتحاد الصحفيين وقد كانت دائماً مثال الصديقة والأخت والكاتبة والصحفية، وهو يحييها على جرأتها في إصدار الكتاب، متمنياً للقراء الاستمتاع بما كتبته.
روح كبيرة
كما يرى الكاتب حسين عبد الكريم أن حفلات التوقيع تعيد لنا رونقاّ كنا نفتقده وهي تصعد فنياً عبر سلالم روحية خاصة إلى حالة أنبل من الواقع لبناء شرفات جديدة للعقل الذي إن لم نتحرك ونتسامى فيها يتعب، مشيراً إلى أن كامل صديقة وزميلة وقد كانت رئيسة القسم الثقافي في جريدة الثورة منذ أكثر من 25 سنة، ولأنه لا يمكن الفصل بين الحلم الجميل والواقع لا يمكن الفصل بين الصحافة والكتابة الإبداعية حيث الحالة التشاركية بين خيمة الحلم وقيمة الواقع، ولأن ما كتبته كامل يوميات يبين عبد الكريم أنً اليوميات التي فيها رائحة شعر ووجدان تحتاج لروح كبيرة، وأن كامل تتمتع بهذه الروح الكبيرة القادرة على الاحتفاظ بأحقية العاطفة الراقية بشخصيتها ولغتها وحضورها في المجتمع، خاصة وأن اليوميات تحتاج إلى براعة هائلة أكثر مما تحتاجه الأشكال الأخرى من القصيدة.
إضافة جديدة
ويوضح د. إسماعيل مروة أن الكتاب حصيلة تجربة عنونته كامل باليوميات وهو لا يعتمد مرحلة محددة وإنما هو خلاصة تجربة الشاعرة في تنقلها الوظيفي، وهو يمثل روحها، منوهاً إلى أنه قرأ نصوص الكتاب جميعها ورأى فيها الكثير من الهمّ الإنساني والذاتي، كما فيها أمر لم يأتِ عليه سوى كامل هو الوفاء لكل الشخصيات والقامات التي مرت في حياتها فكراً من أجل الوطن كـ سعد الله ونوس وممدوح عدوان، مؤكداً أن الكتاب إضافة جديدة لها بعد أن استطاعت أن تعزز بخبرتها رحلة صحفية مهمة في بحرها الغارق في المتوسط.. رحلة تمتد في فكرها النقي ومشاعرها الجميلة، وعندما يكون الإنسان بمستوى كامل بإحساسه وفكره وانتمائه فإن يومياته تتحول إلى شعر بحيويتها وحضورها الاجتماعي.
واضحة الفكرة والتوجه
ويؤكد الفنان سعد القاسم أن أهمية الكتاب تأتي من أهمية الكاتبة التي عملت لسنوات طويلة في مجال الصحافة في فترة شديدة الحساسية، كانت حينها ترسل تقارير مهمة من بيروت إلى سانا، وهي واحدة من أهم الصحفيات وأكثرهن تجربة وغنى لأنها بدأت في وقت مبكر بالكتابة في النقد السينمائي واستلمت رئاسة القسم الثقافي في جريدة الثورة وقد نشط حينها عمل الصحيفة بسبب حيويتها وحضورها الاجتماعي، مبيناً أن كامل تتميز بموضوعيتها في الكتابة ولغتها السليمة والجميلة التي ترتقي لمصاف الأدب وتوصف دائماً كتاباتها بأنها واضحة الفكرة والتوجه والرأي.
أوراق وجدانية
ويرى د. محمد قاسم من الهيئة العامة السورية للكتاب أن الكتاب يسجل لحظات هاربة من قبضة الروح قررت فيه كامل أن تتخذ الورقة وطناً آمناً لها، فالكتاب أوراق وجدانية مليئة بالبوح والألم سكبت الشاعرة فيها عصارة روحها وهي التي كانت تراقب بأم عينها ما كان يحدث، فكانت قصائد الكتاب تأبى أن تصرخ فتبوح وتهمس في القلوب اليقظة.
أمينة عباس