الدليل الكامل إلى السينما الإيطالية
الحديث عن السينما الإيطالية واتجاهاتها خصوصا في الفترة الذهبية التي عرفتها، يحتاج ربما لمجلدات ضخام، يفرد كل منها للعديد من الأفلام الإيطالية، تلك التي سبقت كل شركات الصناعة السينمائية في العالم، وكادت تتفوق على هوليود وعالمها السينمائي الأشهر، وما يمكن تقديمه عموما في كتاب عن هذه الصناعة الثقيلة، ومنها الاتجاهات التي سلكتها تلك الصناعة في حياكتها لعوالم مدهشة بالنسبة للجمهور المتعطش للأفلام السينمائية الغربية عموما، وفي هذا حققت السينما الإيطالية ما لم تستطع أي سينما أخرى صناعته، محاولة إرضاء جميع أذواق الفرجة في العالم، الأمر الذي سيكون له انعكاسات مختلفة عليها، منها تلك السلبية بطبيعة الحال.
جاءت صناعة السينما الإيطالية في فترة الذروة التي عرفتها في القرن العشرين، في المرتبة الثانية بعد هوليود، وتم اعتبارها من مراكز مصانع الأفلام الأكثر رواجا ومركزا لتصدير الأفلام السينمائية الإيطالية إلى مختلف أرجاء العالم، حيث استطاع صُناعها في ذلك الوقت، بعد اكتسابهم لموارد مالية دولية كافية لرفع أعمدة هذه الصناعة، بالعمل على طيف واسع من الأجناس السينمائية بذائقة رفيعة وأسلوب فذ لا يضاهى، وذلك بعد اجتذابهم لألمع الأسماء الفنية المشتغلة في هذا المجال، من ممثلين ومخرجين وكُتّاب، وهذا ما جاء عليه كتاب “الدليل الكامل إلى السينما الإيطالية” وهو من تأليف “هوارد هيوز” وترجمة أكرم الحمصي،-منشورات وزارة الثقافة- وهو من الكتب التي يمكن اعتبارها مرجعا موثوقا للخوض في عالم السينما الإيطالية بمختلف مناحيها، خصوصا في الفترة التي لمع فيها نجمها وذلك في أواخر الخمسينيات، حيث استمرت ما يقارب ال 20 عاما، أي أن ذروة تلك الصناعة الإبداعية، جاءت من رحم القسوة، قسوة الحرب العالمية الثانية، والتي دفعت فيها إيطاليا أبهظ الأثمان مع حلفائها الألمان واليابانيين، وفي تلك السنوات العجاف، اشتغلت السينما الإيطالية على تصدير الأفلام السينمائية إلى مختلف أنواع العالم، وهي كما أسلفنا لم تركن إلى نوع واحد من الأنواع الفيلمية السينمائية، بل ذهبت نحو العديد من الخيارات التي تهم جمهور الفن السابع، أفلام رعب وحرب، رومانس وملاحم تاريخية، كوميدية وتراجيدية، أفلام ويسترن وأفلام خيال علمي مشغولة ببراعة لا تضاهى، وقد حقق العديد من الأفلام التي قدمتها تلك الصناعة، شهرة واسعة في العالم عموما، حتى وهم يواجهون –أي صُناعها- تهمة تقليدهم لأفلام ذات جنسيات مختلفة، وأنهم يستولون على أنواع سينمائية برمتها وينسبوها لأنفسهم، ليفاجئ العالم بكون النسخ المقلدة من تلك الأفلام، تفوقت على الأصل في الكثير من الأحيان.
الكتاب الآنف الذكر يناقش السينما الإيطالية بنوعيها الجماهيرية والنخبوية، وفيه العديد من الدراسات الذي ذهبت نحو تحليل الأفلام الميثيولوجية وأفلام الرعب القوطي والخيال العلمي، وغيرها من الأفلام بأنواعها المختلفة، التي قام بصنعها مخرجون كبار مثل “لوكينو فيسكونتي، فيديركيو فيليني، وغيرهم، فحكاية السينما الإيطالية كما يؤكد المؤلف هي من حيث الجوهر، قصة سلسلة من الانفجارات الإبداعية التي تخللتها فترات خمول واستنفاد جماهيري، فما إن ينجح فيلم ما على المستوى الجماهيري حتى تليه عشرات الأفلام التي تقلده، وعين صُناعها على المبالغ الطائلة القادمة من شبابيك التذاكر إن كان في إيطاليا، أو في العديد من دول العالم، وكان هذا الاستغلال المكثف لكل بدعة سينمائية إيطالية، يفضي في غالبية الأحيان إلى ديمومة محدودة، لأن الرضا الجماهيري كان يصل إلى مرحلة التخمة والإشباع بسرعة، ولذلك لم يستطع أن يصمد في هذه الصناعة الإبداعية أولا، إلا كل صاحب موهبة حقيقية في هذا المجال.
تفوقت السينما الإيطالية في فترة الذروة الإنتاجية، والتي استمرت طيلة عقد الستينات وبداية السبعينيات على نظيرتها الهوليودية من جهة عدد الأفلام التي تم إنتاجها، فأنتجت عام- 1962 -242 فيلما مقابل 174 في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1966 بلغ عدد ما تم صناعته من الأفلام الإيطالية 245 فيلما مقابل 168 فيلما أمريكيا، وهذا الخط الإنتاجي الضخم تم صنعه في استوديوهات ضخمة مثل “شينيشيتا، تيتانوس، إيليوس، وغيرها، تلك التي خرج منها الكثير من الأفلام المختلفة النوع والموضوع، من الأفلام الملحمية العالمية، إلى الأفلام المبتذلة ذات التكلفة المنخفضة، وأفلام الحركة والتشويق وغيرها.
الكتاب لا يدعي إحصائه لمجمل ما قدمته الصناعة السينمائية الإيطالية، لكنه يلقي ضوءا واسع الطيف على معظم ما تم الذهاب به في هذه الصناعة، إن كان كحالة إبداعية، أو حالة تجارية بحتة غير معنية بجودة الحكاية، وما يمكن أن يجيء بين ما هو إبداعي وما هو تجاري، كما أنه يُذكر بما كان حال السينما الإيطالية عليه في فترة من أحلك الفترات التي مرت على البلاد، الخارجة من حرب قاسية أكلت حتى الإسفلت قبل الناس والبيوت، كما أنه يقدم بمهنية فرزا صارما للأنواع السينمائية التي تمت صناعتها، منها ما اشتهر في العالم كله، ومنها من خمد ذكره في لحظة ولادته لأسباب عديدة، يقدمها الكتاب للقارئ على طبق من ورق.
تمّام علي بركات