تحقيقاتصحيفة البعث

لا تدعوهم معها البرامج والأفلام الكرتونية.. رسائل غربية وانجرار خطر نحو “اللاواقعية”

عالم من الخيال يجذب الكبار والصغار، يتضمن قصصاً درامية قصيرة، وأفلاماً كوميدية هزلية، وأخرى تعليمية، إنه عالم الرسوم المتحركة للأطفال المعروضة على شاشة التلفاز، بأدواته الساحرة من الصوت، والصورة، والألوان، والمؤثرات الصوتية، فهل يعلم الأهل التأثيرات السلبية على أطفالهم؟ وما هي طرق الحد منها؟.

غربية المنشأ

غالبية أفلام الكرتون المعروضة على الشاشات العربية (غربية المنشأ)، وبالتالي يشاهد الطفل العربي شخصيات وأحداثاً وعادات وتقاليد مغايرة تماماً لبيئته، فتنشأ لديه حاجات نفسية متناقضة بين ما يشاهده وما يعيشه داخل أسرته ومجتمعه، ما يؤثر سلباً على ردود فعله مع محيطه، حسب ما قالته لنا الدكتورة رشا شعبان “علم اجتماع”، وتابعت: إن الرسائل الغربية ممنهجة ضمن خطة مدروسة لتغيير عادات أبنائنا، وتعليمهم العنف، وتنمية السلوك العدواني، لينفجر الطفل بطريقة مرعبة داخل مجتمعه، علاوة على رسائل كره الأديان الأخرى، والفرد المختلف في المجتمع، وتحويل كل الاختلاف لخلاف حقيقي، منوّهة للمشاهد الموحية جنسياً، حيث يقوم الطفل بتقليد تلك السلوكيات السيئة دون غريزة حقيقية، ما يؤثر على تكوين شخصيته ونفسيته مستقبلاً، وفيما يتعلق بتأثير الرسوم المتحركة على علاقة الطفل مع المحيط أكدت د. شعبان بأن مشاهدة الطفل للرسوم المتحركة لساعات طويلة يومياً تسبب حالة إدمان، ما ينتج عنها العزلة والانطوائية عن المجتمع، مشيرة إلى أن الانطوائية من أهم سمات طيف التوحد عند الأطفال، من خلال عدم رغبة الطفل في المشاركة مع أقرانه باللعب، والحوار معهم، وأضافت د. شعبان: كذلك تعمد بعض الرسوم المتحركة إلى تشجيع الطفل للقيام بسلوكيات خاطئة تجاه الأبوين، والمعلم، وباقي أفراد المجتمع مثل: (اللامبالاة- السخرية- الضرب- استخدام الألفاظ غير المهذبة- عدم الاحترام)، ما ينتج عنه إضعاف انتمائه للأسرة، فالمجتمع، ثم الوطن.

أداة تعلّم

وأشارت د. شعبان إلى أن للرسوم المتحركة آثاراً إيجابية محدودة مقارنة بسلبياتها، فهي أداة من وسائل التعلّم، وتنمي خيال الطفل، وتساعد في تكوين عاداته وقيمه المناسبة لمجتمعه، وإكسابه المهارات والخبرات مثل: التعاون مع الآخرين بشرط أن يكون إنتاجاً وطنياً حقيقياً وجذاباً ذا رسالة تربوية وعلمية هادفة، وللحد من الآثار السلبية للرسوم المتحركة وجهت شعبان مناشدة للأمهات من خلال صحيفة البعث بعدم إبقاء الطفل وقتاً طويلاً أمام شاشة التلفاز لوحده، وإنما يجب مشاهدة الكرتون معه لمدة زمنية محددة، وخلق حوارات معه أثناء وبعد المشاهدة للتمييز بين الواقع والخيال، والخطأ والصحيح، والحق والباطل، إضافة لتقدير الأفعال الجيدة، واستئصال السلبي منها، مؤكدة أن النقطة المهمة جداً مشاهدة الأهل، وتحليل ما يراه الطفل قبل رؤيته له.

وأضافت: يجب على الأهل تشجيع الطفل للمشاركة في النوادي الرياضية، ومراكز تعلّم الفنون، لينشغل الطفل عن مشاهدة التلفاز نسبياً، إضافة لتعويد الأم الطفل على زيارة الحدائق، والأقارب للمساعدة في تكوين شخصيته تكويناً جيداً، وبناء ثقته بنفسه، وتنمية مواهبه.

 

تأثيرات سلبية

وبدوره تحدث الدكتور فيكين سيمون اختصاصي طب أطفال، اضطرابات التوتر النفسي الذهني، عن التأثيرات السلبية للرسوم المتحركة على سلوك الأطفال، حيث ذكر أنه يمكن ملاحظة الآثار السلبية للرسوم المتحركة من خلال مراقبة الأهل للطفل أثناء مشاهدته لبرامج الأطفال لساعات طويلة، حيث يصاب بحالة شرود ذهني، وغياب وعي تام، لدرجة أنه لا يستجيب عند مناداته باسمه، إضافة للحركات الانفعالية للعينين والوجه اللاإرادية، ما يؤثر على قدرته بالتواصل والانسجام مع الآخرين، أي حالة الخروج من الواقع واستحضار الكرتون عوضاً عنه، وأشار إلى أن التأثير السلبي للكرتون على سلوك الطفل اليومي آني (وليد اللحظة)، ويمتد للمستقبل، مؤدياً لنتائج خطيرة، خاصة التي تركز على مشاهد السحر، والخيال، والعنف، وطرق الخيال، والانتقام، وكل ما يفتح لهم آفاق الجريمة، وفيما يتعلق بالرسوم المتحركة المتضمنة مشاهد العنف والضرب أكد الدكتور سيمون أن مشاهدة العنف على التلفاز تشجع الأطفال على التصرف العدواني، وخاصة ضمن العائلة أو المدرسة، حيث تشير الدراسات إلى أن برامج الأفلام الكرتونية المخصصة للأطفال تحتوي على أعلى نسبة مشاهد العنف مقارنة بأية برامج أخرى، لافتاً إلى أن مرحلة الأطفال دون السادسة هي المرحلة الأكثر عرضة للتأثير، كونها تتميز بالتفكر الخيالي (اللاواقعي)، ما يعني عدم قدرة الأطفال على التمييز بين الواقع والخيال التلفزيوني، وأضاف: من الآثار الخطيرة لمشاهدة الأطفال للعنف الإصابة بحالة اكتئاب، واضطرابات النوم، إضافة للهلع والخوف، وضعف الشخصية، وأكد أن جلوس الطفل لساعات طويلة أمام التلفاز دون أي جهد يسبب له السمنة، كما يؤثر على صحة عينيه، وهو سلاح ذو حدين بالرغم من أن سلبيات الرسوم المتحركة تتفوق على إيجابياتها، ولكن يجب أن نذكر بعض الإيجابيات: إن مشاهدة الطفل للتلفاز بشكل عام، وبرامج الأطفال بشكل خاص، له تأثير إيجابي، ولكنه جزئي بتنمية وتطوير شخصية الطفل، خاصة في مجال تطوير النطق، وزيادة رصيده اللغوي من خلال توظيفه للكلام بشكل صحيح، وتحسين قدراته التواصلية، وبالتالي تقوية شخصيته، والثقة بالذات، منوّهاً إلى أن التلفزيون وحده لا يوفر للطفل فرص الاحتكاك والحوار والتواصل ليكون عنصراً ناشطاً وفعالاً.

الحلول المناسبة

وفيما يخص الحلول المناسبة لمعالجة السلوك السلبي للطفل الناتج من مشاهدته للرسوم المتحركة، أشار الدكتور سيمون إلى دور الأسرة في العملية التربوية، وترشيد الأطفال وتوجيههم لاختيار المواد والبرامج الصحية والمفيدة من خلال البرامج التلفزيونية المخصصة للأطفال، وكذلك دور المؤسسات التربوية (روضة- مدرسة)، والمجتمع، والجهات المعنية، بوضع نظام تربوي يرتقي بمستوى أطفالنا، وأضاف بأن الأفلام الكرتونية الهادفة تنقل للطفل المشاعر الإيجابية من عادات وسلوكيات، أي وضع حجر الأساس لبناء الإنسان، والمواطن، ورجال المستقبل.

إيصال الرسالة

وللحديث عن كيفية استثمار الكرتون في الإعلام التنموي، تحدثنا مع مدير الإعلام التنموي في وزارة الإعلام، الأستاذ عمار غزالي، حيث ذكر أن الإعلام التنموي سلّط الضوء على مختلف قضايا الناس، ولأن شخصية الطفل تتكون في السنوات السبع الأولى، يجب العمل عليها منذ الصغر، فتقوم مديرية الإعلام التنموي بإنتاج أفلام كرتونية طويلة أو قصيرة لسرعة إيصال الرسالة له، فعلى سبيل المثال تم إنتاج فواصل كرتونية تتناول قضية العبث بمخلفات الأسلحة، وتم عرضها، ولاقت رواجاً واستحساناً، بالإضافة إلى إنتاج فيلم طويل كرتوني عن المياه والكهرباء، وكيفية الحفاظ عليهما من خلال قصص على لسان صنبور المياه، وعداد المياه والكهرباء، وأضاف: خلال هذا العام سيتم إنتاج أفلام قصيرة كرتونية تتناول قضايا عديدة، خاصة القانونية، لتعريف الأطفال على أهمية القانون، والحفاظ على الممتلكات العامة، لأننا الآن في مرحلة إعادة البناء، وبداية التعافي، والفئة الأكثر استهدافاً هي الأطفال.

رهف شحاذة