إلى متى؟
تناول الأديب والناقد الكبير “مارون عبود”-1886-1962-في أحد مقالاته الأدبية والنقدية البديعة، شريحة الطلاب الذين انهوا امتحاناتهم ونجحوا، محذرا إياهم الركون لهذا الحال في العطلة، فالصيف كما هو معروف عطلة الطالب بعد عام من الدراسة، وبحسبه لا يجوز أن تكون عطلة أبدا، خصوصا لطلاب العلم، وأما الباقي، فإن عليهم العمل، فهذا ما يبني البلاد، وهم الأعمدة التي سيقف عليها هذا البناء، فإما أن تكون قاعدة متينة لا تنهار حتى لو اهتزت، أو أن يحدث العكس وتنهار البلاد بانهيارها، وكان أيضا قد تحدث عن المشاكل الاجتماعية، التي تواجه هذه المهمة الصعبة، ومنها بطبيعة الحال مختلف الأمراض الاجتماعية، التي تفت عضد هذا البناء من الداخل.
اليوم وربما أكثر من أي وقت آخر، نحن بحاجة شديدة لبناء هذه القاعدة بناء معرفيا فكريا صحيحا، والعمل على هذا ليس شأن المؤسسات المعنية فقط، بل هو شأن كل عائلة سورية، كل فرد، وليكون البناء سليما معافى وقادرا على تحمل رياح الأيام، فمن الواجب التذكير والتنبيه أن هذا العمل لا يتم لا بالواسطات التي لم نستطع التخلص من آفتها حتى اللحظة، ولا بغيرها من الأمراض الاجتماعية المتفشية كبقعة زيت كبيرة في كأس ماء، أمراض تقف كجبل أجرد في وجه كل من لديه موهبة حقيقية لا تدعمها معرفة أحد علية القوم، أو الجيوب العميقة القادرة على تقديم الهدايا ومدّ الطاولات العامرة، من باب “طعمي التم بتستحي العين”، والسؤال الذي يقض مضجع وطن بأكمله: إلى متى هذا الحال سيبقى هو السائد؟ ومن المسؤول عن هذا البلاء الذي يرفع مكانة الجاهل، ثم يعمل بلا رحمة على تكسير مجاذيف المراكب السائرة؟ من المسؤول عن هذا التدهور الأخلاقي أولا وما ينتج عنه من ويلات، قادرة على أن تطيح بالبلاد دون وجود أي عدو على الحدود، لأن العدو ببساطة هو في الداخل!، فمن هذا العدو؟ ولماذا تتخلف معظم القطاعات الحكومية عن اللحاق بركب التقدم الحاصل في كل شيء، لماذا على الطالب الذي درس واجتهد ونال نجاحه بدم أهله وعرقهم وجهده، أن يحارب طواحين البيروقراطية والفساد وتمسيح الجوخ وغيرها، وهو لا يريد إلا أن ينال ما تعب لأجله؟
في واحدة من الشكاوى التي ترد منبرنا، كاد الرجل المتصل أن يبكي وهو يتحدث عن مسابقة فنية اشترك فيها ابنه بعد أن قضى ليال طويلة يعمل فيها على ما يريد أن يقدمه، الرجل لم يطلب أن نفتح تحقيقا رسميا بالموضوع، وما طلبه كان فقط المقارنة النظرية بين ما قدمه فلذة كبده في المسابقة، وما قدمه التلميذ الذي نال المركز الأول فيها، فالشمس لا تُحجب بغربال، والحق يبقى حقاً ولو تم تمزيقه، ومن المعروف أن درب الحق موحش كما قال الإمام علي بن أبي طالب، لقلة سالكيه.
جيل اليوم من أبناء البلاد، يجب أن يدرك جيدا وأن يكون واثقا بأن من جد وجد، ومن سار على الدرب وصل، وذلك بالنتائج التي يجب أن يحصدها بعد ما بذله من جهد وتعب، لكن ما يحصل أنه يصل لمرحلة الكهولة، وهو لا يزال يتمنى ويأمل أن لا يكون هذا الحال، هو الذي سيحيا فيه أبناؤه في قادمات الأيام، والسؤال الذي لا ينفك ينتقل من جيل لآخر وكأنه شعلة خامدة دون جواب هو: إلى متى؟
فيا أيها الساقي إليك المشتكى
تمّام علي بركات