البيــــــت بأهلـــــــه
بين”عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ, بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ”، لأبي الطيب المتنبي و”شعبٌ دعائمه الجماجمُ والدمُ تتحطم الدنيا، ولا يتحطّمُ”، لآخر فحول الشعر محمد مهدي الجواهري، تروح وتجيء حياة السوريين منذ ما يقارب العقد من الزمن، تقسو الحياة عليهم بأشد ما فيها من القسوة، وعليهم تُخيم عتمة داكنة، وفي قعر أرواحهم يترسب الألم والحزن والقهر، لكنهم لم ولن يردوا على صراخ الموت، إلا بأغاني الخلود وألحانها الأكثر شجنا، إنهم أبناء الحياة حتى والأيام تتكسر فوق رؤوسهم، وهم صُناعها كلما حدث وتوقفت عجلتها عن الدوران.
بالتأكيد تغيرت حياة معظم السوريين، فما من عائلة سورية إلا ونالت حصتها من ألم الحرب وقسوتها، لكن طبيعة هذا الشعب العظيم، هي من تدفعه ليعيد دفق الحياة في أوردة البلاد وشرايينها، ليس منذ عقد أو عقدين، بل منذ قرون بعيدة، إنها سورية عروسهم الأجمل، وسيدة التاريخ التي لم تنحنِ قامتها حتى والطعنات تتناهبها، وعن هذه البلاد، عن الحق والخير والجمال، وعن كل ما هو سام في الحياة، وقف هذا الشعب على قلب رجل واحد، يشدّ بعضه بعضا، يتقدم للفداء بكل ما لديه من إيمان عميق بكونه من أهم صناع التاريخ وتغيير مساره، في كل مرة تعرض وطنهم فيها لحرب لعينة، حرب نمشي على حبالها الرقيقة، وعلى أكتافنا نرفع السماء فلا تقع. ثقافة الحياة هذه، تبدو في أبهى حللها في الأعياد عموما، ولم يعد مفاجئا أن تكون أراجيح العيد تعلو وتنخفض على إيقاع الرصاص، وفي أشد الأوقات الصعبة التي مرت على السوريين في عموم البلاد، كانت ضحكاتهم تملأ الدنيا، كانوا وما زالوا على عادتهم، يردون الموت بالحياة، دون أن ينسوا للحظة واحدة، من كان وما زال، يحرس ضحكاتهم بدمه، وكرمى خاطر أن يبقى الياسمين أبيض نديا، ورمزا من رموز خلودهم، يشق العتمة بالفجر، ها هي الشمس التي نحيا بنورها، تًشرق في مطلع كل يوم كعادتها التي لم تتغير، لأن شعبا قرر أنه لن يغادر أرضه، ولن يترك مفتاح بيته للغريب، شعب في روحه تُوقد جذوة الحياة من زيتونة مباركة، زرعها واعتنى بها ورواها بدمه عندما عطشت.. هذا الشعب هو صاحب الدار، وهو من سيبقى حتى لو فني الزمان، فالبيت بأهله، وهو أهله.
تمّام علي بركات