دراساتصحيفة البعث

غرينلاند وصفقة ترامب “السخيفة”!

ترجمة: لمى عجاج

عن موقع الفورين بوليسي 16/8/2019

إنها ليست المرة الأولى التي تطلب فيها الولايات المتحدة شراء غرينلاند وغيرها من الجزر، فقد حصلت الولايات المتحدة على لويزيانا من فرنسا وفلوريدا من إسبانيا وألاسكا من روسيا، وكانت قد حاولت شراء جزيرتي غرينلاند وآيسلندا في ستينيات القرن التاسع عشر، ولطالما راود هذا الحلم الامبريالية الأمريكية.

في الواقع، لقد جرت محاولة شراء غرينلاند على نحوٍ جاد وفعليّ لمرتين، لكن التغييرات في العلاقات الدولية منذ ذلك الوقت إلى اليوم جعلت من هذه الفكرة أكثر خطراً مما كانت عليه حينها، حيث جاءت المحاولة الأولى خلال إدارة الرئيس أندرو جونسون والذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة بعد اغتيال إبراهام لينكولن بحكم أنه كان نائباً له. حاول وليام سيوارد الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد أندرو جونسون وفي عهد إبراهام لينكولن إلهاء جونسون بسياسة إعادة الإعمار لمتابعة أهدافه بعيدة المدى المتمثّلة في التوسع الإقليمي. زاود سيوارد وقدّم الكثير من العروض لانتزاع كندا من الإمبراطورية البريطانية ولشراء أو حتى استئجار قاعدة بحرية في منطقة البحر الكاريبي، وفي النهاية نجحت مساعيه المعتمدة على سياسة السلب والقرصنة في شراء آلاسكا ومحاولات لشراء غرينلاند وآيسلندا من الدانمارك.

عندما علم روبرت ج ووكر وزير الخزانة آنذاك بهذه النيّة لدفع الدانمارك إلى بيع الجزر في عام 1867 قام بالتفاوض على شراء مستعمرات الدانمارك الكاريبية في جزر الهند الغربية، فانتهز سيوارد هذه الفرصة وكلّف ووكر بتقديم تقرير دسم وغنيّ عن موارد غرينلاند وآيسلندا، لكن آمال سيوارد في أن تقدّم الولايات المتحدة عرضاً للحصول على هذه الجزر  تلاشت عندما فشلت صفقة شراء جزر الهند الغربية الدانماركية في مجلس الشيوخ، أما المحاولة الثانية فجاءت في أعقاب الحرب العالمية الثانية بعد أن تمّ غزو الدانمارك التي كانت لا تزال تدير غرينلاند كمستعمرة، وذلك في عملية استمرت ست ساعات في آذار من عام 1940 وبعدها بعام، قام السفير الدانماركي الذي احتفظ بأوراق اعتماده على الرغم من رفضه تلقي أوامر من الحكومة المحتلة في كوبنهاغن بالتوقيع على اتفاقية مع حكومة الولايات المتحدة، تسمح لها باحتلال وتحصين الجزيرة لمنع ألمانيا من استخدامها كقاعدة ضد الولايات المتحدة وكندا.

سمح احتلال غرينلاند في زمن الحرب للولايات المتحدة بتطوير العديد من المنشآت العسكرية هناك، بما في ذلك قاعدة جوية، ما يعني أن فكرة إمكانية شراء غرينلاند قد طُرحت من قبل وتمّ أخذها على محمل الجد لدرجة أنه في شباط من عام 1946 قامت مؤسسة “غالوب” باستطلاع آراء الأمريكيين فيما إذا كان ينبغي عليهم دفع مليار دولار لشراء غرينلاند من الدانمارك، وكانت النتيجة أن أجاب ثلاثة وثلاثون في المائة بـ”نعم”، بينما أجاب ثمانية وثلاثون في المائة بـ”لا”، في حين أن ثمانية وعشرين في المائة لم يكن لديهم رأي وهي نتيجة مرضية على اعتبار أن خمسة وأربعين في المائة فقط من الذين استُطلعت آراؤهم يعرفون بالفعل أين تقع هذه الجزيرة، وعشرة في المائة فقط يعرفون عدد سكانها. فهل يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تقدّم لشعب غرينلاند صفقة أفضل؟!. على الأغلب لا..، لأن إهمال إدارة ترامب لبورتوريكو وجزر فيرجن الأمريكية بعد إعصار (ماريا)  يعتبر شاهداً حياً على سلسلة طويلة من سوء المعاملة الأمريكية لمستعمراتها، فلا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تحتجز أكثر من أربعة ملايين شخص كمواطنين مُستعمرين في الجزر من غوام إلى ماريانا الشمالية، لهذا السبب جاء ردّ السياسيين الدانمركيين على رغبة الرئيس ترامب بشراء جزيرة غرينلاند محمّلاً بالكثير من السخرية ومن برودة الأعصاب، فالجزيرة وسكانها ليسا للبيع، فيما عدّ بعض الساسة فكرة ترامب “سخيفة جداً”، وهو الذي اعتاد دائماً على التعامل مع كل شيء على أنه صفقة عقارية، ومن المعلوم أن غرينلاند لديها ما يكفي من الاحتياطات النفطية.