ثقافةصحيفة البعث

زافون يفرج عن سجين السماء

في الجزء الأول أمسك بيدنا كارلوس زافون لنجري معه لاهثين وراء “ظل الريح” بصحبة دانيال سمبيري ذلك الشاب اليافع الذي سحب قدره من مقبرة الكتب المنسية لتلاحقه الحياة وتفرض عليه ما كان مخططاً له، ثم ينتقل الكاتب بنا إلى الجزء الثاني من سلسلته ويجعلنا ندور في متاهة “لعبة الملاك” ليفترض القارئ أن الروايتين غير مترابطتين إلا من خلال ثيمة مقبرة الكتب المنسية فنتعرف على ديفيد مارتين الكاتب الذي يهيم في مدينة الملاعين التي تجعله نازف الروح مغيباً في عوالم عديدة.

في الجزء الثالث كما لو أن زافون استطاع أن يستقرىء بأن القارئ يحتاج إلى استراحة محارب بعد كل التفاصيل والتشويق والركض وراء الأحداث لمعرفة الحقيقة وما يحدث لتلك الشخصيات، لكن المفاجأة أن زافون أراد أن يربط الجزأين الأولين مع الثالث ويوضح الكثير من النقاط ويربك القارئ ويفهمه في آن واحد أن السلسة مستمرة في جزئها الرابع الذي سيكون بعنوان “متاهة الأرواح”، ارتأى الكاتب أن  يجعلنا أسرى زنزانات اسبانيا في زمن فرانكو مع “سجين السماء” وهو عنوان الرواية في جزئها الثالث موضوع حديثنا.

تبدأ الرواية عند “فيرمين دي توريس” الرجل الظريف ذي اللسان السليط الخارج إلى الحياة مجدداً من مقبرة فرانكو، مع اقتراب موعد زفافه من برناردا تظهر عليه علامات قلق غير طبيعية تعود إلى ماض لا يعرفه أحد، كان هائماً في الأجزاء السابقة ليتكشف عن السر في هذا الجزء، سر مرتبط بدانيال وأبيه سمبيري صاحب المكتبة، وفي يوم من الأيام يدخل شخص غريب ويشتري من دانيال النسخة المميزة من كتاب “الكونت دي مونت كريستو” ويتركه هدية لفيرمين، وليست هذه الهدية سوى شرارة الشف عن أسرار دفينة في أعماق فيرمين تدور حولها أحداث الرواية. ينضم دانيال إلى فيرمين في قلقه بعد أن يعثر على رسالة حب في أغراض زوجته بيا من خطيبها السابق طالباً منها اللقاء، فيجلس الصديقان ليحكي كل منهما للآخر عن همومه، وهنا تبدأ الرحلة عن عالم الأموات من سجن قلعة مونتويك ليروي فيرمين ليلة وصوله، ليلة وصول السجين رقم 13 والتقائه بمدير السجن فايس الذي يعتبر نفسه بأنه يملك الإلهام الأدبي والثقافي والذي يزوج ابنته لأحد كبار رجال الصناعة والداعمين للجنرال فرانكو، يقص فيرمين حكاية دخوله للزنزانة وتعرفه على زملائه، وفي أحد الأيام يستدعيه مدير السجن فايس ليعقد معه صفقة إذا نفذها فيرمين خُففت العقوبات، فكان الطلب الأول أن يقنع زميله في الزنزانة “سالغادو” أن يخبره عن مكان المجوهرات المسروقة، والطلب الثاني أن يحاول معرفة مكان مقبرة الكتب المنسية التي يتحدث عنها ديفيد مارتين، فتردد فيرمين في البداية لكنه وافق فيما بعد، فما كان منه إلا أن اتفق مع ديفيد مارتين على وضع خطة للهروب من القلعة بعد أن وعد الأخير بالاهتمام بامرأة تهمه والتي سيتبين فيما بعد أنها إيزابيلا والدة دانيال.

يهرب فيرمين من القلعة على طريقة ألكساندرا دوما، ويولد من جديد في مدينة الصفيح الخارجة عن الزمان والحياة، وتمضي السنين ويلتقي بدانيال وهنا يعود القارئ إلى الجزء الأول وتبدأ أحداث ظل الريح.

يحين موعد اللقاء بين بيا وخطيبها السابق فيذهب دانيال إلى المكان الموعود وتدور بينهما مشاجرة فيعترف بأن رب عمله هو الذي دفعه إلى التواصل معها وتنتاب الشكوك دانيال خاصة عندما يعلم أن فايس هو رب العمل، وتبدأ الأسئلة تلاحقه وتترتب الأحداث وتترابط مع ما أخبره إياه فيرمين وتدور كل الشكوك حول والدته التي ربما قتلها فايس لكن أحداً لا يمتلك الدليل.

في خاتمة الرواية التي لم يتجاوز عدد صفحاتها 365 _التي تعتبر قصيرة مقارنة بالجزأين السابقين- يودع فيرمين وبرناردا العزوبية ويكتسب فيرمين هوية حقيقة تحمل اسمه، ويهدي دانيال صديقه هدية مميزة فيصطحبه لزيارة مقبرة الكتب المنسية وهناك تستكمل المفاجآت طريقها لدانيال برسالة من مدينة الملاعين، ينهي زافون الرواية بلغز جديد يترك القارئ فيه منتظراً للجزء الأخير من السلسلة ليجيب عن الأسئلة التي تحوم حول الملاك.

لم تخف وتيرة الحركة والتشويق في هذا الجزء عند زافون أيضاً بل استطاع الحفاظ على هذه الميزة انتقل فينا في شوارع اسبانيا ليعرفنا عليها أكثر ليظهر تاريخ تلك المدينة وما شهدت عليه في حقبة استبداد فرانكو، سلط الضوء على الناحية الثقافية التي أراد فيها أزلام ذلك الديكتاتور أن يستأثروا بها وكيف كانوا يحاولون أن يضطهدوا ويبتزوا السجناء في محاولة كسب خبراتهم، متلاعبين بآمالهم في الخروج من ذلك الجحيم، باختصار استطاع الكاتب أن يعري المشاعر الإنسانية ويصف قسوة السلطة، وبالمقابل وصف كفاح الإنسان ونضاله للخروج إلى الحياة مهما كانت الصعوبات.

كارلوس زافون سيناريست وروائي إسباني من مواليد 1946 مدينة برشلونة، يقيم في الولايات المتحدة الأميركية، وقد نشر روايته الأولى عام 1993 تحت عنوان “أمير الضباب” ونال عنها جائزة Edebe لأدب الناشئة والأطفال، وحصدت روايته “ظل الريح” جوائز دولية عدة وبيعت منها ملاين النسخ حول العالم.

أما معاوية عبد المجيد فهو مترجم سوري من مواليد مدينة دمشق (1985) درس الأدب الإيطالي في جامعة سينا للأجانب كما درّس اللغة الإيطالية في المعهد العالي للغات في جامعة دمشق (2011-2012)، حصل على شهادة الماجستير في الثقافة الأوروبية، كما حصل على جائزة جيرارد ودا كريمونا لترويج الترجمة في حوض المتوسط عام 2018، ترجم العديد من الأعمال الأدبية منها “صديقتي المذهلة” و”لا تقولي خائفة” لجوزبه كاتوتسيلا، إضافة إلى ثلاثة أجزاء من رباعية “مقبرة الكتب المنسية”.

علا أحمد