دراساتصحيفة البعث

وثيقة تكشف إخفاء الأسلحة النووية الأمريكية

 

إعداد: لمى عجاج

كان من الممكن أن تندلع الحرب العالمية الثالثة بعد أن قامت البحرية الأمريكية بإسقاط قنبلة نووية في المياه اليابانية عن طريق الخطأ، ففي الخامس من  كانون الأول من عام 1965 أي بعد ثلاث سنوات فقط من أزمة الصواريخ الكوبية التي زادت من حدة توترات الحرب الباردة إلى أبعد الحدود، ارتكبت الولايات المتحدة خطأً فادحاً أثناء التدريبات عندما سقطت طائرة هجومية تابعة لسلاح البحرية الأمريكية “دوغلاس سكاي هوك أي فور إيه” من على سطح حاملة الطائرات “يو اس اس  تايكوندروجا” أثناء إبحارها في البحر الفلبيني بالقرب من اليابان.

بعد أن أسقط الطيار الملازم أول دوغلاس إم ويبستر الطائرة وعلى متنها القنبلة النووية “بي فور ثري” على بعد 68 ميلاً من ساحل جزيرة كيكاي باليابان، لم يتورّع البنتاغون عن التستر على جريمته، فقد استغرقت البحرية الأمريكية ما يقارب العشرين عاماً للاعتراف بجريمتها، ففي عام 1989 اعترف البنتاغون بأنه فقد قنبلة هيدروجينية واحدة “ميغاتون” وبأن قنبلته ما زالت ترسو في قاع البحر على بعد نحو 128 كم من جزيرة يابانية صغيرة، وذلك بعد أن فضحت التحقيقات السرية الدبلوماسية التي أجرتها اليابان الكثير من الخفايا رغم  عدم التمكن من العثور على السلاح أو حتى على  الطيار.

يظهر الحادث الذي كشف عن أخطر الأسلحة النووية في تاريخ البحرية بأن السفن الحربية الأمريكية حملت أسلحة ذرية إلى الموانئ اليابانية في انتهاك للسياسة الدولية وذلك بحسب الباحثين، وخاصةً بعد أن حظر القانون الياباني على السفن التي تحمل أسلحة نووية الإبحار في مياهها الإقليمية أو حتى الوصول إلى موانئها في أعقاب حادثتي هيروشيما وناغازاكي الفظيعتين. قامت البحرية الأمريكية بالتكتّم على أكثر الحوادث حساسية على الإطلاق، وذلك بحسب اعتراف وليام م أركين من المعهد الليبرالي للدراسات السياسية في عام 1989 بأنه “لمدة 24 عاماً قامت البحرية الأمريكية بالتستّر على أكثر الحوادث حساسية من الناحية السياسية”، أبقت البحرية على التفاصيل الحقيقية لهذا الحادث طيّ الكتمان، لا لتؤكد تجاهلها لشروط معاهدة الحكومات الأجنبية فحسب بل ولتفلت من الإجابة عن الأسئلة التي من الممكن أن تُثار حول الأسلحة النووية على متن السفن في فيتنام. كان هذا الحدث شديد الحساسية لأن اليابان كانت الدولة الوحيدة التي تعرّضت للهجوم بواسطة الأسلحة النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية. ففي 8 أيلول من عام 1951 وضعت 49 دولة خطةً واضحةً في مواجهة الحدث المدمّر، ووقعت معاهدة سان فرانسيسكو- المعروفة أيضاً باسم معاهدة السلام مع اليابان.

الكشف عن أكبر تهديد للديمقراطية

أنهت الوثيقة رسمياً الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة لليابان، وشهدت بداية لإعادة تأسيس العلاقات مع القوى المتحالفة معها، مع العلم أنه وفي الوقت نفسه في عام 1965 كانت الولايات المتحدة في ذروة التوترات مع الاتحاد السوفييتي. لم يهدّد الحادث فقط بإفساد العلاقات الضعيفة بالفعل مع اليابان، بل كان من شأنه أن يعطي الاتحاد السوفييتي ذريعة لبدء حرب نووية. على الرغم من الادعاءات الملفقة والتي أكدت فيها البحرية الأمريكية عام 1989 أن المياه كانت عميقة للغاية بحيث لا يشكّل السلاح تهديداً. لكن وعلى الرغم من الغضب الشديد الذي صاحب هذا الخطأ فهو بالتأكيد لن يكون الهفوة الأخيرة في تاريخ النووي الأمريكي، ففي17كانون الثاني من عام 1966 اصطدمت قاذفة القنابل الإستراتيجية بي-52 ستراتوفورتريس والأسلحة النووية  التي كانت تنقلها بناقلة من طراز كيه سي KC-135 خلال مهمة للتزوّد بالوقود على ارتفاع 31000 قدم فوق البحر الأبيض المتوسط، خلال الحادث سقطت ثلاث قنابل هيدروجينية من طراز MK28 على الأرض لتنزل على شاطئ بالوماريس في مدينة ألميريا– إسبانيا، وما زاد الأمر سوءاً هو أن المتفجرات في اثنين من الأسلحة انفجرت عند الاصطدام مما أدى إلى تلويث المنطقة المحيطة التي تبلغ مساحتها نحو ميل مربع بإشعاع البلوتونيوم، بينما غرقت الرابعة قبالة ساحل إسبانيا وتمّ استردادها بعد ثلاثة أشهر.

تلك لم تكن الحادثة الوحيدة التي أضاعت فيها الولايات المتحدة قنبلة من صنف أسلحة الدمار الشامل، فقبل ذلك وفي عام 1958 فقدت الولايات المتحدة قنبلة هيدروجينية اثر اصطدام قاذفة أمريكية من طراز بي-47 كانت في طلعة تدريبية بطائرة مقاتلة من طراز اف-86 قرب سواحل ولاية جورجيا الأمريكية، تمكن قائد القاذفة الأمريكية من الهبوط بطائرته رغم إصابتها بأضرار جسيمة لكنه أسقط القنبلة الهيدروجينية في المحيط الأطلسي ولم يتمّ العثور عليها إلا في عام 2004 فهي لا زالت رابضة في الأعماق ولم يتمّ انتشالها حتى اليوم، هذا كله يشير إلى أن أمريكا قامت بإخفاء قنابل نووية تقبع منذ عشرات السنين في أعماق المحيطات تهدّد العالم بالفناء، والشاهد على ذلك الحوادث المؤكدة التي ذكرناها والتي كانت قد تؤدي إلى كوارث مروعة، وكانت باعتراف رسمي من الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 1995 عندما رفعت واشنطن السرية عن قسم من وثائقها بشأن وقائع  بخصوص الكوارث الناجمة عن الأسلحة النووية، بدأ العالم يتوجس ويشعر بالخطر، فما الذي أنقذ العالم من كل هذا العبث النووي؟! ولماذا لم تنفجر القنابل الهيدروجينية لحسن الحظ؟!. الجواب عن هذه الأسئلة جاء في وثيقة لوزارة الدفاع الأمريكية ورد فيها أن الأسلحة النووية صُمّمت بعناية كبيرة تحسباً للطوارئ بحيث لا يحدث الانفجار إلا إذا أُزيلت كافة أجهزة السلامة والأمان وأصبحت القنبلة في وضعية قتالية بعد تلقي الأوامر من القيادة العليا للقوات المسلحة، لكن الوثيقة أشارت أيضاً إلى إمكانية حدوث انفجار غير مقصود لظروف عارضة بسبب الإهمال. وفي المحصلة نرى أن العالم يواجه الكثير من التحديات المعقدة والخطيرة، لكن تظل أسلحة الدمار الشامل تشكل الخطر الأعظم الذي يهدّد الحياة على كوكب الأرض بالفناء والإبادة.