“قراءة في فنجان الغيم”.. من جمالية الشمولية تكتب التفاصيل
يقدم الشاعر “صالح هواري” ديوان “قراءة في فنجان الغيم” الذي قسمه إلى فصلين, وجاء من منظوره تحت أجنحة الغيم التي رأى من علياء الحياة الظروف والحب والوطن, فصور ببلاغة الرؤية الشمول بكل ما يراه الشاعر بقلبه قبل عينه، وقد شمل 179 قصيدة من المطولات اللاتي أثرين الحالة الفكرية للشاعر وصورها من خلال مواضيع متعددة أبرزت رسالة الشاعر التي أراد منها أن يكون ضمير الكثيرين من أبناء الحياة والظروف العامة والخاصة الوطنية والإنسانية، وابتدأ الديوان بالإهداء “مرة أخرى إلى حبيبتي فلسطين..” ليفتتح بقصيدة: “قف عند حدك/لا تجازف أو فمت/ لا تمت/إلا كسهم الموت الضوء واقف/والبندقية لا يناسبها التقلب في السياسة
لها كلمة في الحرب واحدة/ تقول: الأرض مصحف حبنا..”
إلا أن الشام بلده الثاني يمجدها بقصيدة رقيقة باسم “سيدة الندى”:
سرقت فؤادي الشام أين أنا/ هل ضعت في عينيك يا بردى
يا حبها الأزلي.. يا قمرا/ زدني ضياعا كي أزيد هدى
ومن ثم يبحر الشاعر بديوانه في عوالم عاطفية يظهر فيها الجماليات النفسية التي يراها من عباب الغيم فالشمولية تعطي البهاء عبقا أكثر في النفوس, ويتبدى في قصيدة يخاطب الحبيبة:
أحبك فوق ما تنبئ ظنوني/ فكوني مثلما أهواك كوني
يصير الكون أجنحة لقلبي/ إذا نامت عيونك في عيوني
وفي قصيدة “شعر التفعيلة” يتطرق إلى طرح رسالة لهواة فن الشعر العتيد:
“شعر التفعيلة ليس هروبا نحو المطلق/ أو إخلاء سبيل بوكالة/ أو قل ليس ركوبا في عربات خيال جوالة/ هو ملاح رحاله في بحر المعنى الأعمق/ إن مر عليه الدؤلي الأسود ورآه طليقا في قفص مغلق/في الحال سيعطيه رسالة/ ووددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم/يقرؤها شعر التفعيلة/ فيطير على موج أزرق/ويدوخ من الصحو وتأخذه الحالة.
وفي قصيدة “أعترف”, يقدم منولوجا ذاتيا موظفا في فكرة الإلياذة سر الحياة بالمثابرة:
أقولها وأعترف/أني تأخرت كثيرا قبل أن أصل/ وفي السباق حسب علمي/سقطت عن ظهر الحصان مرتين/ لم أرفع الراية البيضاء مثلما ظن الخصوم/وها أنا وفيت قسطاً من ديون رحلتي إلى النجوم
ويبقى الحب فلسفة وسحرا تبارى بها الشعر, ففي القصيدة يا أميرة دهشتي.. ولأنك المعنى الذي أحتار في تفسيره/سيظل حبك غامضا في معجمي/ حتى تبين البسمة البيضاء/ من وجع القصيدة يا أميرة دهشتي‼!
غنائيات لئيمة على سلم الحرب:
إنه الفصل الثاني في الديوان الذي خصه برؤية شاعرية للحالة التي عشناها بسنوات الحرب ليكون توثيقا تاريخيا لتفاصيل يومية عبر عنها بلغة تصل للنفس بغضاضة الحزن ونشوة الأمل:
الحصار الاقتصادي/ شوكة أدمت فؤادي/غير أن الصبر أقوى/ من رصاص الاضطهاد/عقرب الأسعار يمشي/ حافيا تحت وسادي.
ومن قصيدة تحدث فيها عن حال يوميات المواطن بظل الفوضى:
كهرباء نشتهيها/ كل حزن الأرض فيها/وشموع حين نبكي/ تحتوينا ونحتويها
حربنا منا علينا/يا بلادي افهميها.
لقد قدم لها بأنها تتابع الحالات التي عبرت بها سورية بغنائية مذبوحة على بساط الحرب الأحمر, مستخدما شيطان الشعر ومتأملا هذه المائدة المتنوعة من فواكه الحرب المريرة…
رجائي صرصر