العراق.. رسائل بالنار
العراق مجدداً إلى دائرة الضوء، فبعد الانتصار التاريخي على تنظيم “داعش” الإرهابي، يبدو أننا أمام مرحلة جديدة في بلاد الرافدين عنوانها استهداف القوى الوطنية العراقية التي حاربت الميليشيات الإرهابية عبر استهدافها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهذا ما يطرح العديد من الأسئلة حول الغايات والأهداف، ولمصلحة من يجري كل ذلك، ولماذا الآن؟.
منذ انسحاب الاحتلال الأمريكي المذل عن أرض العراق في عام 2011 سعت واشنطن وحلفاؤها إلى إبقاء العراق في دوامة الفوضى وعدم الاستقرار والتعجيل بتقسيمه، وفق دستور بريمر المشؤوم، فكان “داعش” الإرهابي، الذي ولد وتدرب في أحضان المخابرات المركزية الأمريكية، حيث تؤكّد التقارير الاستخبارتية والإعلامية بأن معظم قيادة التنظيم كانوا سجناء في السجن الأمريكي الشهير في العراق “بوكا”، بمن فيهم أبو بكر البغدادي متزعم المليشيا، وعلى الرغم من سيطرته على مساحة تزيد عن نصف مساحة العراق إلا أن الجيش العراقي والقوى الوطنية، وفي مقدمته “الحشد الشعبي”، تمكّن من دحر الإرهاب الأسود وتطهير كامل الأرض، مع بقاء فلول تحتمي بالقواعد الأمريكية المتواجدة على أرض العراق.
طبعاً، هذا الأمر لم يرق لواشنطن، والتي كانت تخطط لإقامة “دويلة” في غرب العراق وشرق سورية، باعتراف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، والتي أكدت أيضاً أن 110 دول كانت جاهزة للاعتراف بها، لذا سعت بعد الفشل في تثبيت ورقة الإرهاب إلى تأليب الرأي العام والقوى العراقية على القوى التي كانت العمود الفقري في دحر “داعش”، وهي الحشد الشعبي، من خلال التدخل مباشرة -كلام وزير الخارجية مايك بومبيو- ومحاولة شيطنته عبر فرض العقوبات على قياداته تارة أخرى، وأخيراً استهداف مراكزه ومستودعات ذخيرته.
وعليه فإن واشنطن مصممة على تأجيج الأوضاع في العراق، وبالتالي فالفتنة التي تسعى إلى تمريرها ستكون لها عواقب كبيرة إذا لم تتمكن القوى العراقية من التصدي لها، فالحشد الشعبي بات جزءاً رئيساً من القوات العراقية، وفق القرارات الصادرة عن رئاسة الجمهورية والوزراء والنواب، ويحظى بدعم شعبي كبير اكتسبه من محاربة الإرهاب، وقد تجسّد ذلك خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. بمعنى آخر أن محاولة إقصائه اليوم سيكون لها ارتدادات كبرى تخدم في النهاية واشنطن ومخططاتها في المنطقة، التي تريد أن يبقى القرار العراقي ضعيفاً، وقاعدة لاستهداف جواره.
إن الاستهداف الذي جرى للحشد عبر تفجير مستودعاته هي رسالة بالنار، وعلى القوى الوطنية العراقية أن تدرك أن العدو لن يمنحها أي فرصة للملمة أوراقها، فالاستقرار يعني عراقاً قوياً، وعراق قوي يعني أن المحور الممتد من طهران إلى بغداد فدمشق فبيروت سيغيّر وجه المنطقة برمتها.
سنان حسن