التاريخ والواقع: أردوغان مجرم
لم يعدْ خافياً على أحد في هذا العالم خطر سياسات النظام التركي بزعامة أردوغان على الوضع الإقليمي والدولي بسبب استمراره في لعبة خلط الأوراق، والنفاق، والرهان على المتناقضات، والتهرّب من أي التزام حتى أمام الشعب التركي الذي بات يرقص معه على صفيح ساخن اقتصادياً وسياسياً، وحزبياً أيضاً – الانشقاقات المتصاعدة في حزب العدالة -.
تذكّر سياسات النظام التركي الراهنة بسياسة الدولة العثمانية أيام الاتحاد والترقّي التي أدت إلى انهيار السلطنة خلال الحرب العالمية الأولى، وهذا ما يراه بأم عينيه الشعب التركي ومجتمعه السياسي من خلال مراهنة أردوغان على عصابات التطرف والتكفير والإرهاب في سياسته الخارجية، والداخلية أيضاً كما يبدو، وهذا ما جعل أصوات السياسيين والحزبيين والتكنوقراط الأتراك تؤكد أن سياسة بلادهم مع أردوغان تفتقد المصداقية، والتنسيق، وتقترن بالضعف أيضاً، وهي في طريقها إلى الفشل داخلياً، وإقليمياً، ودولياً، ولا يتسع المجال لتأكيد ذلك بمئات التصريحات والوثائق التي يتم التصريح بها ونشرها على الملأ.
والحقيقة لم يعد الرجل منافقاً فقط، ومضحكاً أيضاً، بل هو مجرم بأفعاله، وبطموحاته، وبأحلامه الشيطانية. ووثائق الواقع الراهن، وأرشيف أردوغان الشخصي سيصبحان تاريخاً لا يمكن إنكاره والفرار منه، هذه الوثائق والأرشيف سرديات ستدينها الأجيال الطالعة من شعوب المنطقة من العرب وغيرهم. وسيتحمل أردوغان معها لا شك مسؤوليات جنائية، فجرائم الإرهاب ذات أثر رجعي وهي ستطاله من خلال التعاون، والتأييد، ودعم الأشخاص والكيانات الضالعين بأعمال إرهابية.
هو يضرب بعرض الحائط قرارات المجتمع الدولي، وتفاهمات سوتشي وأستانة في سياساته وتصريحاته العديدة والمستمرة، ومنها على سبيل المثال إعلانه أن تصدي الجيش العربي السوري للعصابات الإرهابية في شمال حماة وجنوب إدلب يمثل تهديداً للأمن القومي التركي؟!، ما يعني أن الرجل يرى في العصابات الإرهابية التي نص قرار مجلس الأمن 2254 على ضرورة القضاء عليها ضمانة للأمن القومي التركي، وهذا بطبيعة الحال أكثر من سخف، إنه بالمحصلة إرهاب وجريمة.
كما أن استعجاله للقاء الرئيس بوتين جرّاء هزائم الإرهابيين في سورية، وخيبة أمله المسبقة من اللقاء جراء تصريحات القادة الروس قبل اللقاء، يدلّان على سخفه، وبعده عن رجاحة العقل، وعن الوعي والمنطق. فقد صرّح السيد لافروف قبل أيام من اللقاء أن “دعم القوات الجوية الروسية لعمليات الجيش السوري في خان شيخون لا تنتهك الاتفاقات مع تركيا”، وجاء هذا التصريح متساوقاً ومتزامناً مع تصريحات روسية عديدة أن الذي يشكل انتهاكاً وخرقاً للقانون الدولي ولسيادة سورية ووحدة أراضيها هو وجود القوات الأمريكية في شرق الفرات، هذا الوجود الذي يحلم أردوغان بالرهان عليه لتعزيز هذا الانتهاك.
لذلك كان من الطبيعي أن تُمنى توقعات الأتراك المتوجهة إلى قمة بوتين – أردوغان أمس بخيبة الأمل، لأن ما يحلم به أردوغان، ويعمل على تحقيقه هو من المستحيلات لتعارضه مع حقوق شعوب المنطقة كافة، ومع القانون الدولي، ولا سيما تلاعبه بمقولات: المنطقة الآمنة، الأمن القومي التركي، لظنه أن شرط تحقق هذا يقترن بالحفاظ على العصابات الإرهابية من جهة، وبانتهاك سيادة سورية ووحدة أراضيها من جهة ثانية. خاصة بعد تأكيد الحكومة السورية على حقها وواجبها في “التصميم على إنهاء الوجود غير الشرعي لأي قوات أجنبية على أراضيها”.
هذا كله يضعف الرهان على أي أمل معقود على القمة الثلاثية القادمة في تركيا في حال استمر نظام أردوغان بمهزلة لعبة إعادة خلط الأوراق المقترنة بضعف القدرة، بل بغيابها، على تحديد موقف واضح ومعلن في السياسية الإقليمية والدولية، فهو ينافق كل الأطراف حتى حزبه، والشعب التركي الذي بات واضحاً أن أياماً عصيبة تنتظره مع هكذا نظام.
إن أغلب المتابعين لسياسة نظام أردوغان يرون بالتحليل الواقعي والمنطقي أنه يأخذ تركيا نحو الهاوية، ويرى قسم منهم أن الأمر ربما يكون بطيئاً إلا أنه من المؤكد أن موقف النظام ضعيف جداً في الوقت الراهن، بينما أغلب خصومه في موقع قوة بمواجهته، وذلك لأسباب عديدة منها: التفاوت الكبير بين الطموحات والإمكانات الضعيفة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً – ومنها ضحالة الإيديولوجية العثمانية الجديدة المبنية على التناقضات، والتي تغيب عنها المراجعة النقدية – ومنها تأكيد كثيرين أن سورية ستخرج من فخ أزمتها بينما أردوغان سيقع فيه بحماقاته – ومنها أنه غير قادر على تحقيق أي من أوهامه الضائعة سوى فعله الجرمي الموثّق.
د. عبد اللطيف عمران