دراساتصحيفة البعث

الورقة العرقية في السياسة الأمريكية

عناية ناصر

يتمّ استخدام الورقة العرقية وكره الأجانب بشكل نشط في السياسة الأمريكية، وخاصة خلال الحملات الانتخابية. ومن الأمثلة على ذلك الفضيحة الأخيرة بشأن تصريحات دونالد ترامب فيما يتعلق بأربع نائبات ديمقراطيات أمريكيات من أصل أفريقي ولاتيني، ممن انتقدن بشدة رئاسته. وبدلاً من إعطاء الردّ الموضوعي عليهن، قال ترامب علانية إنه يجب عليهن “العودة” إلى بلدانهن الأصلية، على الرغم من أن ثلاثاً منهن ولدن ونشأن في الولايات المتحدة. قدّم الديمقراطيون اقتراحاً بعزل الرئيس، لكن ترامب اعتبر أن جهود مجلس النواب لعزله كانت “المشروع الأكثر سخافة”على الإطلاق!.

لقد أفادت الفضيحة دونالد ترامب، الذي وجّه ضربة للديمقراطيين، وأكد صلته بالأمريكيين البيض العنصريين الذين صوّتوا لمصلحته في عام 2016. وهذه ليست المرة الأولى التي يلعب فيها ترامب بورقة العنصرية في المعركة السياسية، فقد أدلى ببعض التصريحات حول المهاجرين المجرمين من المكسيك والإرهابيين من الشرق الأوسط والأجانب من البلدان المفلسة. هذه التصريحات ترتبط مباشرة بالسياسة، ومن المرجح أن يدلي ترامب بتصريحات مماثلة حول الصينيين لأن لديه الكثير من الشكاوى حول سياسات بكين الخارجية.

في الواقع، ترمي سياسة الورقة العرقية إلى تحقيق أهداف سياسية واقتصادية أكثر منها عنصرية. تمّ انتخاب ترامب بسبب معارضته للمؤسسة الليبرالية ودعمه لعالم قائم على الوطنية الاقتصادية، حيث يجب أن تكسب أمريكا على حساب جميع الدول الأخرى، وتعدّ الشعبوية والجهود المبذولة لإرضاء شرائح السكان ذات العقلية العنصرية وسائل لكسب المزيد من الأصوات في السباق الرئاسي المقبل، أي لا شيء شخصياً، فقط السياسة كالمعتاد.

وترامب ليس السياسي الوحيد الذي يلعب هذه الورقة، فمع تلاشي العولمة الليبرالية ذات الوجه الأمريكي، لا تتفاقم المشكلات الاقتصادية فحسب بل أيضاً مشكلات الهجرة، وبدلاً من البحث عن حلول عالمية طويلة الأجل، يقدّم السياسيون الأمريكيون وغيرهم، عندما يواجهون موجة عارمة من المشكلات، إجابات “بسيطة” تعزف على وتر هذه المشاعر السلبية. ينطبق هذا أيضاً على السياسيين الليبراليين في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث لا يمكن للحكومات الليبرالية أن تلعب بالورقة العنصرية ضد الأقليات القومية لأسباب سياسية، ولكنها تستخدم بنشاط مزاعم التهديد الأجنبي، وتشمل التهديدات الخارجية الحالية روسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية، وتشمل كراهية الأجانب الليبرالية في الولايات المتحدة التشكيك بترامب بزعم تواطئه مع روسيا. وبما أن روسيا صوّرت كأكبر تهديد لأمن ومصالح الولايات المتحدة، فإن التواطؤ المزعوم بين ترامب وروسيا يعمل كدليل على أن الرئيس الأمريكي يتصرّف وفقاً للمصالح الروسية أكثر من الأمريكية. وغالباً ما يتمّ دعم هذه “الحجة” المبسطة بتصريحات حول القرصنة الإلكترونية (الهاكرز) الروس الذين يتمتّعون بالقدرة الكاملة والوجود في كل مكان، والذين لم يتدخلوا في الانتخابات الأمريكية فحسب، بل أثروا أيضاً على نتائجها وجلبوا دونالد ترامب إلى السلطة في عام 2016. لا يمانع الديمقراطيون في أن تحقيق مولر لم يتوصل إلى إثبات تواطؤ ترامب المزعوم مع روسيا، وهم يطالبون بمواصلة التحقيق لإثبات أن ترامب يعرقل العدالة، إن لم يكن يتواطأ مع الروس. ولهذا السبب أجبر الديمقراطيون روبرت مولر على الإدلاء بشهادته حول تقريره عن حملة دونالد ترامب في جلسة استماع مباشرة، فالكثير من الديمقراطيين لا يزالون يحلمون بإهانة ترامب.

يتمّ لعب الورقة الروسية ليس فقط في محاولة للتغلّب على ترامب، ولكن أيضاً لإصلاح الفجوة المتزايدة في الحزب الديمقراطي، بصرف النظر عن بيرني ساندرز الذي يدافع عن أجندة يسارية، فإن لدى الحزب الديمقراطي الآن مجموعة متزايدة من المشرّعين الذين تحدّوا المؤسسة اليمينية الليبرالية في القضايا الاجتماعية والاقتصادية. غالباً ما يُنظر إلى الديمقراطيين من ذوي الميول اليسارية، مثل ألكساندريا أوكاسيو كورتيز (29 عاماً) التي انتُخبت مؤخراً، على أنهم اشتراكيون، على الرغم من أنهم لا يعارضون الرأسمالية بقدر ما يعارضون تعزيز الدور الاجتماعي والاقتصادي للدولة. فهم يقترحون، على سبيل المثال، زيادة الضرائب لتقليل إنفاق الأمريكيين على الرعاية الصحية والتعليم. وتتزايد شعبيتهم، الأمر الذي يخلق المزيد من المشكلات في قلب المؤسسة الديمقراطية المحيطة برئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي تعارض عزل ترامب، على أساس أن هذا من شأنه أن يضعف الحزب. وفي الوقت نفسه، فإن بيلوسي مستعدة لاستخدام الورقة الروسية لنسف سياسة ترامب وربما لحشد الديمقراطيين من أجل الانتخابات المقبلة. والفكرة هي أن التهديد الروسي المزعوم يمكن أن يعوّض عدم وجود وحدة بين الديمقراطيين بشأن المسائل الاجتماعية والاقتصادية.

اللغة العنصرية وكراهية الأجانب، التي يتعلمها بسرعة سياسيو فترة ما بعد أمريكا، لا تشير بعد إلى العودة إلى قومية الدم والتربة، والتي أدّت إلى حروب كثيرة، فالشعبوية القائمة على الذاكرة والعواطف هي أداة تختلف عن القومية العرقية الأصولية عندما يتعلّق الأمر بالعواقب. على سبيل المثال، لم يقم ترامب ببناء جزء كبير من الجدار الحدودي مع المكسيك، على عكس وعده بالانتخابات، كما لم تؤدِ القيود التي فرضها على الهجرة إلى تبني قوانين مشدّدة.

وقت العنصرية الحقيقية وكراهية الأجانب في السياسة لم يأتِ بعد، لكن هذه فترة استراحة بسيطة لأن العالم على حافة أزمات الاقتصاد والهجرة، وأي تفاقم محتمل أو مزيج من هذه الأزمات قد يعني استبدال السياسيين الشعبويين الوطنيين بسياسيين عرقيين. علاوة على ذلك، يمكن للسياسيين الشعبويين أن يعتنقوا وأن يتحوّلوا على الأرجح إلى القومية الإثنية. لقد تمّ تقييد خطاب ترامب وتصرفاته حتى الآن بسبب النمو الاقتصادي وغياب الحروب الكبرى. وبغضّ النظر عما يقوله معارضو الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين، فقد استطاع إحياء الاقتصاد ولم يخض حرباً حقيقية بعد.