أردوغان.. وذهنية التسلّط
هي العادة لا أكثر، فالديكتاتور رجب طيب أردوغان، القابض على مقاليد الحكم في أنقرة، يرى الجميع أعداءه، وكل دول الجوار ولايات خاضعة لعرش أجداده، الأمر الذي دفعه لمهاجمة لبنان، وتطاولت خارجيته على رأس الدولة اللبنانية، فيما طرد زعيم الحزب الحاكم السابق، أحمد داوود أوغلو، و4 من المقربين منه، وكل ذلك ما هو إلا تعبير عن ذهنية التسلّط والهيمنة، التي ورثها النظام التركي عن السلطنة العثمانية البائدة.
خلال السنوات الأخيرة مارس النظام التركي أدواراً تخريبية في المنطقة، من خلال دعمه للإرهاب في بعض دولها، والسماح بتسلل آلاف الإرهابيين الأجانب إلى سورية، فضلاً عن نقلهم إلى أماكن مختلفة من المنطقة، وخاصة ليبيا، بغية تحقيق أهدافه وأطماعه العثمانية في نشر الخراب والدمار، وسفك دماء أبناء شعوبها، ونقل أزماته الداخلية إلى الخارج، حيث انخرط في المخطط الإرهابي الذي يستهدف تدمير سورية، فاتحاً حدود بلاده لتسهيل مرور آلاف الإرهابيين، بعد أن أقام معسكرات تدريب لهم، وقدّم لهم كل أنواع الأسلحة والدعم اللوجيستي، أتبعها بعدوان عسكري مباشر واحتلال أجزاء من سورية.
ولم يكتف أردوغان بممارسة دوره الإجرامي التخريبي في سورية فحسب، بل عمل على التدخل العسكري المباشر في العراق، ونقل مشهد الإرهاب إلى ليبيا، وعمل على أخونة المجتمع الليبي، وسيّر السفن والشحنات الجوية المحمّلة بآلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر لدعم التنظيمات الإرهابية فيها، كما أرسل مؤخراً الطائرات المسيّرة التي قصفت بعض المدن الليبية، فيما كشفت تقارير إعلامية عن وجود خبراء عسكريين أتراك يعملون في غرفة عمليات بالعاصمة طرابلس، ووصل به الأمر إلى التدخل في الشأن الداخلي المصري بعد أن قدّم الدعم والتأييد لـقيادات جماعة “الإخوان” الإرهابية، حيث دأب وأركان نظامه على توجيه الانتقادات للمحاكمات التي كانت تجريها السلطات المصرية بحقهم، محاولاً تبرئتهم من الأعمال الإرهابية التي نفذوها، وراح ضحيتها مئات المدنيين والعسكريين المصريين.
مازال حلم الخلافة العثمانية يراود أردوغان لإعادة السيطرة على المناطق التي كانت تسيطر عليها تركيا في فترة احتلال الدولة العثمانية، فسعى لبناء قواعد عسكرية في سواكن السودانية، وأخرى في مشيخة قطر، وخرق السيادة القبرصية، وحاول التمدّد باتجاه اليونان في منطقة الجرف القاري في بحر إيجه.
إن تخبّط السياسات الأردوغانية وتناقضاتها تنبئ أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تطوّرات في غاية الخطورة، بسبب هذه السياسة غير المسؤولة والعدوانية، وفي الوقت الذي يعيش أردوغان وهم بعث أمجاد الدولة العثمانية، بعد أن تخلّت عنه أوروبا، وبدّدت حلمه بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تؤكّد كل الوقائع أن الخطر أصبح محدقاً بتركيا نفسها، حيث أدخل بلاده بأزمة اقتصادية حادة أدت إلى تراجع كبير في قيمة الليرة التركية، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة، مواصلاً في الوقت ذاته حملات القمع والترهيب واعتقال المدنيين والعسكريين على خلفية محاولة الانقلاب التي جرت في تموز عام 2016.
اهتزاز صورة أردوغان أدت إلى انشقاقات في حزب “العدالة والتنمية”، خاصّة بعد خسارته الموجعة في انتخابات بلدية اسطنبول، وخسارته لبلديات أخرى في أنقرة وأزمير، فهل نشهد قريباً الشعب التركي يطوي صفحته، وإلى الأبد؟!.
صلاح الدين إبراهيم