قمر من بنفسج
سلوى عباس
التقيا هناك.. في فردوسهما الذي زيّناه بورود أحلامهما، والبنفسج البهيج في أول قطافه يحضر في مزهرية الوجد ضيفاً على شرف الحب.. البنفسج الذي كان يميل حانياً على وجع قلبيهما وهما يرتبان لحظات فراقهما، لم يدريا كيف في غفلة منهما امتدت ألوانه لتحتل مساحة روحيهما، ويختبئ بحزنه البهيج في تلافيف ذاكرتهما يوثق لحظات نزفهما. لم تكن يومها كما يفترض أن تكون، لم تكن تعرف من هي في هذا الركام من التعب، ولم تستطع التعرف على ذاتها، لم تتذكر حينها إن كانت تلك الطفلة أم الجدائل الطويلة وشرائط العيد الملونة، أم تلك الصبية الحالمة في أول تشكل قمرها حيث قررت أن تكبر لترضيه، ولم تفلح لا بإرضائه ولا بإرضاء نفسها.. كانت على مفترق الحيرة لا تدري في أي مكان تقف، أضاعت ملامحها مذ أحبته وأصبح كل تفكيرها واهتمامها به، أصبحت تتكلف وتتصنع لتعجبه دون أن تعلن ذلك للملأ، صارت تهرب منه إليه، باتت تتعب ليرتاح هو.. كان يجب لاستمرار أحدهما أن يغيب الآخر، فحتى يكبر هو يجب أن تبتعد هي، أن ترحل، وأن تغيب ليظل هو بكامل نشاطه وألقه.. عليها أن ترحل إلى أناها التي غادرتها لأنها تطالبها بالعودة.. اشتاقت إليها، اشتاقت لذاتها، اشتاقت لروحها التي هجرتها.
وتسأله: هل قلت لك ذات مساء كم كنت تعجبني؟ هل أخبرتك كم أحببتك؟ هل قلت لك في لحظة جنون كم آلمني ما حدث بيننا؟ هل اعترفت لك كيف تمحورت حياتي كلها حولك؟ هل قلت لك كم كنت قادراً على إعادة تكويني وخلقي؟.
<<<<<
بعد أسف على عمر قضته مع اختيارات خاطئة، قررت الرحيل حتى من ذاكرتها، دون أن تطارد الفراشات التي طارت من قلبها في كل مرة قال لها كلمة أحبك، وكل الأحلام والذكريات الجميلة التي دخلت إلى ذاكرتها في كل مرة كان يواعدها فيها، فكم تتوق إلى كلمة صدق من قلب مفعم بالحب في زمن نسي الناس فيه الصدق، تتوق إلى ضحكة حقيقية تنبع من قلبها، ضحكة تحيل يأسها تفاؤلاً وأملاً.. تتوق إلى يد حانية تربت على كتفها عندما تعود إلى المنزل تعبة بعد يوم طويل، ونظرة حب مشتاقة تهمس لها: اشتقتلك.. تساءلت: هل سيأتي يوم نستطيع فيه غسل الدمع عن وجوهنا، وهل سنتعطر بالياسمين ونتزين بالبنفسج ونفتح شبابيك أرواحنا ونستقبل الصباحات المقبلة بالمطر.. هل سنستطيع يوما أن نقول صباح البنفسج أيها النهار الجديد.
<<<<<
كانت كما كل الصبايا تستمع لتنبؤات الفلكيين الذين قالوا: إنها ليست محظوظة هذا العام، فقررت أن تتحدّاهم وتثبت أنها حظيت بالسعادة مع شاب شكّل لها حالة من “الحلم” سيكون كأبيها في حنيّته، وكأخيها في اهتمامه بها، لكن انتظار طال، وعندما فتّشت عن الأسباب، وجدت أن حلمها تبدّد بكبسة زر منه، بحذف اسمها من قائمة أصدقائه. كان تصرفه هذا صدمة لها وكانت الحالة أشبه بياسمينة تغادر غصنها قبل التفتح، وكأن كل الكواكب أوقفت مساراتها وكل النيازك، لاشيء يعطيها دفأه ولا زهرة تينع في دمها.
حكايات تشبه في تفاصيلها قصص الحب التاريخية من حيث صدق الحالة وشغف الروح لأولئك المحبين، لكن المؤسف أن يصبح من نحبهم عابرين، بعدما كانوا لنا وطناً!.. هي البدايات جميلة دائماً لكنها لا تستمر.