“الآثار السورية والحرب”.. في ندوة
مع إشراقة كل شمس تعود إحدى بقع وطننا الغالية ومواقعنا الأثرية لحضن الوطن تتحول إلى حكاية تكتب من جديد حكاية وتاريخ البطولة لمن ضحوا لتستمر الحياة على أرض صمدت في وجه أعتى الحروب، لتبقى أرض المحبة والسلام، وبالتأكيد من يعلم حجم وغنى المناطق الأثرية التي تمتد على الأرض السورية كافة يدرك مباشرة أن محاضرة واحدة لن تكون قادرة على الإحاطة الكاملة بما تعرضت له الآثار السورية من تدمير ممنهج ومن سلب وتهريب إلى الخارج على يد العصابات الإرهابية.
من هنا حاول مدير عام الآثار والمتاحف د. محمود حمود خلال المحاضرة التي أقيمت على هامش معرض الكتاب في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق تحت عنوان “الآثار السورية في ظل الحرب” تقديم إضاءة شاملة على أغلب الأماكن الأثرية السورية وما أصابها من دمار ونهب خلال الحرب على بلدنا، وبداية توقف حمود مع واقع المتاحف في سورية وأولها كان متحف تدمر الذي تعرض للتدمير بشكل كبير وتم إنقاذ عدد من منحوتاته، إلا أن الكثير من اللقى الأثرية فُقدت حيث لم تتمكن الجهات المختصة من إنقاذ ما كان في المستودعات علماً أن بعضها قد يكون موجوداً لكن بسبب الدمار والخراب الذي لحق بالمكان لم يتم العثور عليها، وعن أهمية موقع مدينة تدمر الأثرية التي تمتد على مساحة 10 كم، أكد حمود أن الكنوز الأثرية الموجودة تحت الأرض تفوق ما يوجد فوقها وهناك الكثير من المدافن التي تم التنقيب فيها باستخدام الآلات الثقيلة والمشكلة الأساسية التي ذكرها مدير عام الآثار والمتاحف هي غياب التوثيق لما هو موجود وهذه إحدى نقاط الضعف كما يرى فيما يخص عمل الآثار، علما أن الجهود تسعى لاستدراك هذه المشكلة والتغلب عليها في الفترة القادمة.
المحطة الثانية التي توقف عندها المحاضر كانت محافظة الرقة التي نهب منها مايزيد عن 6000 قطعة وهو ما أعلن عنه فلا أحد يعلم ما كان موجوداً في المستودعات التي تعرضت للنهب، وفي هذه المحافظة تم استخدام الآليات الثقيلة لفتح شوارع في المناطق الأثرية وتم استخراج آلاف القطع، أما متحف دير الزور فقد نقل مافيه بالتعاون مع الجيش والقوى الأمنية إلى مكان آمن وسيتم ترميم المتحف الذي تعرض للتدمير، أما بالنسبة للمناطق الأثرية في إدلب فوصفها حمود بالكارثة الكبرى نظراً للأهمية الكبيرة التي يتمتع بها أرشيف إيبلا، ونظراً للعدد الكبير للقطع الأثرية التي كانت تكشف عنها البعثات التنقيبية السورية والدولية والتي كانت تنقل إلى مستودعات المتحف، فهذه القطع لاتقدر بثمن وأعداؤنا كما يؤكد حمود على استعداد لخوض أشرس المعارك في سبيل الحصول على هذا الكنز، وقد حاولوا سابقاً التلاعب بمضمونها عند اكتشافها للمرة الأولى، وبالنسبة لمتحف معرة النعمان فقد تعرض الكثير من مقتنياته الخفيفة للسلب في حين بقيت القطع الكبيرة، كذلك الحال بالنسبة لمتحف بصرى الشام الذي تعرض للنهب، حيث أظهر المسح الأثري ما لايقل عن 1074 قطعة أثرية فقدت من المتحف وتحدث حمود عن الدور الذي ينتهجه الاحتلال التركي على الأرض السورية في المناطق الحدودية عبر التنقيب غير الشرعي في الأماكن الأثرية السورية باستخدام الآليات الثقيلة، إضافة لقصف الطائرات التركية للعديد من الأماكن الأثرية هناك وتدميرها، ولفت إلى الجهود التي تبذلها المديرية العامة للآثار والمتاحف وغيرها من الجهات في التواصل مع الخارج وإدانة ما تقوم به تركيا من استباحة للأرض وللآثار السورية.
وتناول حمود في حديثه الأماكن الأثرية التي تم ترميمها في حلب من قبل مؤسسة الأغا خان، كما تحدث عن الترميم الذي سيشمل لاحقاً العديد من الأماكن الأثرية الأخرى التي تعرضت للتدمير، مؤكداً أن هناك دراسات جاهزة قامت بها المديرية بالتعاون مع اليونسكو ومؤسسة الأغا خان في حلب لنحو 70 بالمئة من المدينة، حيث تم بدقة تحديد وضع الموقع الأثري وحالته التوصيفية وتاريخ البناء والكلف المطلوبة، وما على الجهة المهتمة محلية أو دولية إلا أن تختار الموقع الذي تريده لتمول ترميمه، لأن الأضرار كبيرة كما يقول حمود، وحتى لو قدمت الدولة السورية جزءاً كبيراً من ميزانيتها لن يكفي ذلك لإعادة الترميم بسبب حجم الأضرار وحجم الأماكن الأثرية فهذا العمل يحتاج لمؤازرة دولية، خاصة أن المواقع مسجلة على لائحة التراث العالمي. والنقطة الأخيرة التي توقف عندها حمود هي أهمية إقامة النشاطات الثقافية المتنوعة في الأماكن الأثرية والتي رأى أنها تحمل مضموناً تربوياً هاماً وتسهم في الترويج والتعريف بأماكننا الأثرية.
جلال نديم صالح