ثقافةصحيفة البعث

بعد غيابه عن دمشق جواد الأسدي: في دمشق اكتشفتُ سر وجودي

 

بعد أن ابتعد قسراً عن مدينة السحر والجمال، عن دمشق التي يحبها ويعشقها كثيراً جاء المخرج المسرحي العراقي جواد الأسدي إليها محملاً بالكثير من الذكريات الجميلة عن سنوات عديدة كان قد قضاها فيها: “دمشق هي المدينة التي أعشقُها لأنها مدينة حياة وجمال وسحر، رحلتُ عنها قسراً وجبراً.. غبتُ وعدتُ إليها اليوم وما زالت في مخيلتي حاضنة جمالية مهمة.. فيها اكتشفتُ سر وجودي الشخصي والمهني”.

الحفارة
وعلى الرغم من أن لقاء جواد الأسدي الذي عقد في مكتبة الأسد ضمن الفعاليات الثقافية المرافقة لمعرض الكتاب وأداره الإعلامي ملهم الصالح، كان تحت عنوان “جماليات السردي والبصري في عمل الممثل المسرحي” إلا أن الأسدي ذهب بعيداً بذكرياته عن مدينة دمشق التي قدم إليها لكي يذهب ويمضي باتجاه المغرب ليعمل في المسرح، مبيناً في لقائه أن المصادفة الحياتية التي جَمَعَتْهُ بالكاتب الراحل ممدوح عدوان جعَلَتْهُ يبقى فيها بعد مؤامرة جميلة حاكها عدوان، ليعمل الأسدي مع مسرح اتحاد العمال بدمشق الذي تَعَرَّفَ فيه على عدد من الممثلين، منهم: وفيق الزعيم، ندى الحمصي، صبحي الرفاعي، نجاح العبد الله، ومن خلال مسرح اتحاد العمال أنجز عمله المسرحي الأول في دمشق وكان بعنوان “الحفارة” تمثيل بسام كوسا، ندى الحمصي، وفيق الزعيم، سليم تركماني، صبحي الرفاعي، مبيناً الأسدي أن نجاح هذا العمل هو الذي جعله يبقى في دمشق ويعيد التجربة أكثر من مرة مع مسرح اتِّحاد العمال.

بيت صغير
وفي الوقت الذي كان فيه المعهد المسرحي في دمر القديمة مجرد بيت صغير كانت الحياة فيه مملوءة بالسحر والجمال وأيام التنوير الحقيقية في دمشق بوجود أسماء مثل سعيد مراد وسعيد حورانية وسعد الله ونوس وفواز الساجر ومجموعة من الأسماء التي كانت تشكل سحر وجمال مدينة دمشق، وبيّن الأسدي أنه وبالتوازي مع عمله في مسرح العمال تَعرَّف على غسان المالح ذي العقلية الاستثنائية والذي كان عميداً للمعهد العالي للفنون المسرحية وقد دعاه لتخريج طلاب السنة الرابعة، فكانت مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” ومن ثم عروض أخرى، مشيراً الأسدي إلى أنه في المعهد إلى منطقة أُخرى من العمل المسرحي فيها حيوية الشباب والكثير من الآمال والرغبات والمشاكسات، وهناك تعرف على ضحى الدبس وأيمن رضا وفايز قزق وغسان مسعود، وغيرهم، كما تعرف فيه على الصعيد المهني على أساتذة خطيرين في تلك المرحلة عرفوا كيف يصنعون ممثلين من طراز جديد، وعلى ممثلين يملكون طاقة وقوة حضور وخيال مذهل وإمكانيات كبيرة أغرته للبقاء في دمشق والعمل معهم، مؤكداً أن مهنيته الحقيقية كمخرج مسرحي تأسست في سورية من خلال البحث والمحافظة على التوقد والاشتعال والاشتغال على فكرة الممثل ومن خلال العمل مع ممثليها الذين كانوا يخلقون حياة مملوءة بالسحر والجمال في البروفات ويتوحدون معها إلى حد الجنون أمثال فايز قزق وغسان مسعود، وقد تشارك معهما في أكثر من عمل، ولهذا لا يستغرب من المكانة التي يحتلها الممثل السوري اليوم والتي حققها بفضل إخلاصه واجتهاده وحبه للعمل.

درس حقيقي
وحين تحدث الأسدي عن الممثل السوري كان لا بد له أن يشير إلى الفنان الراحل نضال سيجري الذي التقاه في عملين هما: “حمام بغدادي” و”أرامل على البسكليت” مؤكداً على براعته في تجسيد الشخصيات التي أسندها إليه وقدرته الكبيرة على تحويل البروفات إلى حالة مليئة بالفرح والحركة وهو الذي كان ينتمي بجنون وبشكل حقيقي إلى شخصياته التي يؤديها، مبيناً الأسدي أن أداء سيجري يجب أن يتحول إلى درس حقيقي في التمثيل.

صداقته مع ونوس
وعن ذكرياته مع الكاتب الراحل سعد الله ونوس أشار إلى الصداقة المتينة التي كانت تربطه بونوس الذي أنجز له الأسدي في المرة الأولى مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” التي سعد بها ونوس كثيراً، مشيراً إلى أن هذا النص كان قد قدمه أكثر من مرة، آخرها كان في إسبانيا مع ممثلين أسبان، ليعيد المحاولة مرة ثانية مع نص “الاغتصاب” لونوس، فقدم حينها عرضاً جميلاً على صعيد الشكل والأداء بشهادة ونوس نفسه الذي رفض في الوقت ذاته ما جاء في مضمونه، رافضاً قراءة الأسدي للنص كمخرج، ويتذكر الأسدي أن خلافاً وقع حينها بينهما، وما زاد في هوة هذا الخلاف نجاح المسرحية بشكل مدوّ في بيروت.. ولأن فلسطين كانت تمر من دمشق كان من الصعب على الأسدي ألا يتوقف وهو يعود بذاكرته إلى الوراء عند المسرح الفلسطيني الذي تأسس في دمشق وكان حاضراً في حياة السوريين اليومية، والذي قدم فيه أجمل العروض التي شاركت في العديد من المهرجانات، تلك العروض التي كان يشارك فيها ممثلون فلسطينيون وسوريون بنسيج عال من السحر، فعشق السوريين لفلسطين برأيه لم يكن من خلال الشعارات والخطابات بل كان يمر من منطقة أخرى وبجماليات ثقافية ومسرحية.

السردي والبصري
أكد جواد الأسدي أنه لا يختار نصوص مسرحياته بشكل عفوي وإنما بناء على أساسات محددة أهمها علاقته بالمجتمع والرسائل التي سيقدمها ومن هم الممثلون الذين سيحملون هذه الرسائل بأمانة لتقديم عرض جميل، وكذلك لا يختار ممثليه إلا بعد فترة طويلة من اللقاءات والحوارات واصطياد يومياتهم والتعرف عليهم بعد قراءة بانورامية لهم، ليؤسس بعد ذلك إمكانية أن يصلح أحدهم لدور معين، منوهاً إلى أن النص الذي يختاره ينمو مع الحياة اليومية لعلاقته مع الممثلين، وبالتالي فإن التمثيل والنص هما اللذان يؤسسان لما هو بصري وجمالي، فجماليات الديكور والمشهد السينوغرافي ينموان ويزدهران من داخل النص السردي.
وختم الأسدي كلامه وهو المسكون بنار تغيير الأمكنة آسفاً لأن المسرح في الدول العربية وَصَلَ إلى حالة كارثية من التفتت والانكسار والهزيمة، وهو عاد إلى العراق منذ سنة ليكتشف هناك وجوهاً جديدة ما زالت تحلُم ولديها أمل لإنتاج أعمال، محاولين استعادة الهوية المدنية للعراق مع انتشار المناخ الإسلامي المتشدد وهي وجوه يُراهَن عليها في المسرح لإيمانها بقدسية المسرح.

غسان مسعود
حضر الفنان غسان مسعود لقاء جواد الأسدي وتحدث عن الحالة الثقافية في ذلك الزمن الذي شَهِدَ على لقائهما، مذكراً بمشاركته في مسرحية “الاغتصاب” مبيناً أن العرض الذي لا يفجر أسئلة ليس عرضاً، وعروض الأسدي كانت تطرح الأسئلة وتلهب الجميع، وأجمل ما كان في المسرحية برأيه تلك الحالة الخلاقة المبدعة وذلك الاشتباك الفكري والثقافي الذي حدث بين الأسدي وونوس، موضحاً أن العملية المسرحية عبارة عن ثلاث كتابات: الكاتب والمخرج والممثل، متمنياً أن ينتقل المسرح السوري إلى منصة أخرى في المسرح بوجود الأسدي، مبيناً أن مباحثات كثيرة بينهما ليعود مسعود إلى خشبة المسرح ممثلاً، حيث تجري الآن قراءات لمجموعة من النصوص ولا يدري أي خيار قد يعتمدان.
أمينة عباس