أخبارصحيفة البعث

الشماتة ليست من سجايانا..

د. صابر فلحوط

جماهير شعبنا العربي في “السعودية” في القلب والوجدان، شأن جميع الأهل في الدار القومية، غير أن الذين خططوا، وموّلوا، وجيّشوا، وحشدوا لذبح سورية العربية من الوريد إلى الوريد بسيوف التكفير الوهابي ليسوا من العروبة وقيمها ورسالتها في شيء، ولو تطهروا واغتسلوا بكل أنهار العالم..
لم يكن للشماتة مكان في قاموسنا، على مر تاريخنا الطويل، غير أن ما فعله نواطير النفط إزاء القضايا الوطنية والقومية يستوجب كلمات عتاب، تصل إلى درجة الإشفاق على “البيت السعودي” الذي شُيّد بالدم في أرض “الجزيرة”، وارتهن للعدوين الألدين لقضيتنا المركزية “فلسطين”، وهما أمريكا والصهيونية، منذ أكثر من تسعة عقود.
كما مارس “حكامه” عملية الزحف على البطون والذقون استجداء للحماية من العدو “الوهمي والمفترض”، وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي منذ ثورتها عام 1979، وهي تشاطرنا المواقف النضالية المشهودة في المقاومة لتحرير المحتل من الأرض العربية من البحر إلى النهر، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الذي استباحته الصهيونية بدعم من الرجعية العربية.
إن الحرب التي شنتها “السعودية” منذ أكثر من أربع سنوات على اليمن الذي “كان سعيداً” قبل العدوان الظلوم (السعودي الأمريكي الصهيوني) ليس لها مبرر في أي قانون، أو مفهوم، أو عرف على وجه هذا الكوكب. وعندما استخدم شعبنا اليمني البطل حقه في الدفاع، وأطلق “المسيّرات” على قلب الاقتصاد السعودي “أرامكو” تكشف هزال كل ما بنت السعودية من دفاعات، وما دفعت من مليارات، وما رهنت من قرارات سيادية، كما تبيّن أن بيت العنكبوت، والقلعة الكرتونية ليست في الكيان الصهيوني فحسب، على حد تعبير سيد المقاومة، والزعيم الصيني شون لاي، بل في السعودية التي أسلمت قيادها، ومفاتيح خزائنها للرئيس الأمريكي “ترامب” الذي وصف المملكة (بالبقرة الحلوب إذا توقفت عن الحليب فالجزار جاهز للذبح)!!.
ألا يستدعي هذا الوصف الإشفاق والحزن على “المملكة”، الوصية على مقدسات الأمة، أن يصفها حليفها الأمريكي في أكثر من موقف وموقع، بأن حكامها لا يستطيعون العيش في قصورهم والصمود أمام رياح المنطقة أسبوعاً واحداً دون الدعم الأمريكي!!.
ثم أين موقف “أشاوس” السعودية من قولة الشاعر القومي:
لو كان لي نفط الخليج جعلته
يجري على جثث “اليهود” وقودا
يا صاحب الآبار تدفن ثروة
تكسو الرمال من الربيع برودا
منّا رجال للنضال ومنكم
ذهبٌ يُحوّله الرجال حديدا
أم أن نفط الخليج “في المفهوم السعودي” يجب أن يجري وقوداً على جثث أبناء اليمن الذين شرّفوا التاريخ المعاصر بصمودهم وتضحياتهم، وغرزوا حرابهم في قلب الاقتصاد المرتهن لأعداء الأمة.
إن منعكسات ضرب “المسيّرات” اليمنية لخزان النفط السعودي تؤكد الاقتدار الجبار والمتنامي لشعبنا اليمني وإصراره على رد الظلم وانتزاع النصر.
وحتى تداري “المملكة” خجلها من أن “الجياع الحفاة” من بواسل اليمن، وبأسلحة غاية في البساطة، استطاعوا ترويع المملكة وجزءاً من العالم الذي يُرضع مصانعه من نفطها، فقد راحت مع حليفها صاحب “صفقة القرن المدانة ترامب” تبحث عن مشجب تعلّق عليها هزيمة وهزال “قبابها الحديدية”، وصواريخها التي صوّرها الإعلام المعولم على أنها تحصد النجوم من حقل السماء!! فكان الاتهام المتدرج، بدءاً بالمواطنين “الشرفاء” المتعاونين مع المناضلين اليمنيين في السعودية، مروراً بالعراق بسبب القرب الجغرافي من “المملكة”، وانتهاء بالمتهم الجاهز أبداً في سياسة المملكة وهو الجمهورية الإيرانية !!.
وقد أحسن المناضلون اليمنيون صنعاً في التأكيد أن بنك أهدافهم لن يقف عند “أرامكو”، بل سيشمل كل من كان سبباً في إراقة قطرة دم من أبناء الشعب اليمني.
ويقيني أن “ترامب” لا بد أن يكون قد سارع من لحظة الضربة اليمنية على “أرامكو” لتقديم قوائم السلاح المطلوب دفع ثمنه قبل تصميمه وصناعته، وكذلك جداول أسماء العسكريين الأمريكيين والخبراء والمدربين من أجل مواصلة هذه الحرب العبثية الطاغية التي تذكّرنا بحرب “داحس والغبراء” دونما (هرم بن سنان والحارث بن عوف) اللذين أخمدا نارها بعد أربعين عاماً !!.
هل يتذكر من ما يزال لديه ذاكرة على قيد العروبة في الخليج قول سورية العربية على جميع المنابر القومية منذ عشرات السنين أن أمريكا ليس لها صديق في المنطقة سوى “إسرائيل” وأن جميع الأصدقاء والحلفاء لديها ليسوا إلا إجراء ووكلاء وخداماً وعبيداً، يؤمرون، فيطيعون، وعندما تنتهي الأدوار المسندة إليهم يُلقون في عتمة التاريخ:
إننا في سورية العربية، ليس لدينا وقت للشماتة كما لا نتعامل، أو نتعاطى مع هذه البضاعة التي لا تليق بالكبار ولا الكرام، خاصة ونحن مشغولون باستكمال النصر الإعجازي الذي يرفع مداميك قلعته جيشنا الباسل، وشعبنا الصامد، وقيادتنا المبدعة في ميادين السياسة والسلاح، وهذا النصر الذي نرفع الزينات استعداداً للاحتفاء به قريباً يترافق مع عمليات إعادة الإعمار ليكون بلدنا “عز الشرق والعروبة” الأبهى والأبهج، والأمنع، كما كان طوال تاريخه العريق، مؤمنون بأقدارنا، أن نكون بوابة الأمة العربية إلى عصر سيادة الشعوب وحصانة قرارها، وأن تكون لنا الكلمة الوازنة في مرحلة ما بعد زوال الاستكبار العالمي والقطبية الأحادية، والإرهاب الذي أرعب الشعوب، واستشرى، ثم لاقى حتفه في سورية العربية بعد سنوات تسع في أشرس صراع غير مسبوق في التاريخ المعاصر، وفي حرب وطنية عظمى تفخر بها الأجيال العروبية.