الرقمنة من أجل نشر الثقافة والتعليم في سورية
في عصر المعلومات والتكنولوجيا والتطور الرقمي لم يعد من الممكن أن نعيش منعزلين عن منجزات الحضارة الحديثة التي تدخل في تفاصيل حياتنا المختلفة وتترك أثرها على شتى نشاطاتنا وأساليب تفكيرنا، بل وحتى على طريقة رؤيتنا للحياة، من هنا كانت الندوة التي أقيمت في مكتبة الأسد الوطنية على هامش معرض الكتاب بعنوان “الرقمنة من أجل نشر الثقافة والتعليم في سورية”.
إعادة إنتاج الإنسان
حملت مداخلة د. خليل عجمي رئيس الجامعة الافتراضية عنوان “التحول الرقمي وأثره على التربية والتعليم”، وبداية أوضح أن مصطلح التحول الرقمي لاينحصر بتطور الشبكة العنكبوتية ومواقعها بل يعبر عن التغييرات المستمرة التي تطرأ على تقانات المعلومات والاتصالات وسرعة تبني هذه التغييرات، وقدم مثالين رقميين “يوتيوب وغوغل” ليبين حجم مرات الزيارة والتحميل التي شملت كل منهما وزادت بصورة كبيرة خلال فترات زمنية ليست بالكبيرة، مما يؤكد أننا نعيش في زمن رقمي أعاد إنتاج الإنسان، فالتقانات تعيد إنتاج تفكيرنا وتصرفاتنا والخيال العلمي يتحول كل يوم إلى حقائق علمية، وحالياً تنتج منتجات تقانية سريعة لدرجة أننا نتبناها دون ضوابط وتشريعات قانونية تضبط عملها في ظل هذا الواقع الذي تعيشه بلادنا باعتبارها مستهلكة للتقانة وليست منتجة لها، وهذا التحول هو الذي يقودنا ولسنا من يقوده، من هنا لابد من بناء علاقة صحيحة بين الجيل الرقمي وبين الثقافة حتى يتمكن الجيل من قيادة التحول وتوجيهه والتأثير فيه.
وقدم عجمي تصنيفاً للأجيال بالاعتماد على المرجعيات العلمية وفقاً لتاريخ الميلاد ليصل إلى تقسيم الأجيال الرقمية إلى -الرقميون المهاجرون وهؤلاء ولدوا غير رقميين لكنهم أخذوا الرقمنة لاحقاً وهم يعيشون بين الورق والكتاب الالكتروني، أما الرقميون الأصلاء فهم من ولدوا في عصر التكنولوجيا ولايعنيهم التعامل مع الورق، وهناك عوامل كثيرة مؤثرة في الأجيال الرقمية ذكرها عجمي منها تربية مقادة بالعولمة فقد تأثرت المجتمعات البشرية بأفكار معولمة انتشرت نتيجة الثورة الرقمية والانفتاح، وهي أفكار قد لاتكون جميع تفاصيلها صحيحة وتسبب الكثير من الأحيان بكسر المرجعيات التقليدية، ويعاني هذا الجيل من مشكلة في مرجعيتة نتيجة إحساسه بأن المعلومة التي حصل عليها تعطيه الحق بكل شيء، ومن العوامل أيضاً تقانة وسائل تواصل اجتماعي افتراضية نعيش اليوم اجتماعياً عبر فلاتر لها تبعات كثيرة على السلوك الاجتماعي للأفراد عموماً وللأطفال واليافعين والشباب على وجه الخصوص فهي تتسبب في تشكيل قناعات وعلاقات اجتماعية افتراضية.
ومن المؤثرات المهمة:سلوك مكتسب ناجم عن التفاعل مع التقانة وبنية اقتصادية واجتماعية محيطة فنحن نأخذ الأطفال ونضعهم في بيئة تهتم بالأرقام والمؤشرات الاقتصادية والأرباح عوضاً عن رضا الإنسان وكل مانحتاجه يمكن الحصول عليه سريعاً ولحظياً مشبعاً ومحمولاً بالتقانة إلا الشعور بالرضى والإحساس بالإنجاز وقوة ورسوخ العلاقات الاجتماعية، وهذه الأمور إجرائيات طويلة وعشوائية وصعبة ومتعرجة وبطيئة ولايوجد تطبيق برمجي يستطيع تحقيقها.
الانتقال إلى التعلم
وفي مجال التعليم تحدث عجمي عن التحديات التي تواجه التعليم في التحول الرقمي حيث اعتبر وبحكم هذا التحول أن نحو 75 بالمئة من طلابنا سيمارسون بعد عقدين من الزمن مهناً وأعمالاً غير موجودة الآن، وستختفي تدريجياً آلاف الوظائف التي عرفناها من هنا فإن تعليم الجيل الرقمي في عصر المعرفة يكون بالانتقال من التعليم إلى التعلم، أي أن نعلمه كيف يتحقق من المعلومة وكيف يستخدمها ليكتسب المعارف ذاتياً وأين يستخدمها، وهناك أليات مساعدة في ذلك منها أن يكون التعلم قائم على التفكير والبحث والمقارنة والتغذية الراجعة والتواصل والتعاون ضمن فريق عمل واستثمار آليات التسابق والتنافس واكتشاف القادة وتعميق مهاراتهم، وهناك بعض العوائق التي توقف عندها عجمي منها: ضحالة المحتوى الرقمي العربي والاهتمام بالآليات دون وجود مضمون مرجعي حقيقي في المناهج والحاجة لتدريب المدرسين.
تغيير طريقة التفكير
وحملت مداخلة د. ميسون دشاش مدير عام مركز القياس والتقويم في التعليم العالي عنوان “استثمار المنصات المفتوحة في قطاعي التربية والتعليم” تحدثت فيها عن غياب النمط التقليدي للتعليم في أوربا وغياب مصطلح التدريس ليحل مكانه مصطلح التعلم. ورأت دشاش أن هذا قابل للتطبيق في بلدنا لكن يجب أن نغير طبيعة التفكير في مناهجنا والابتعاد عن الطريقة الخاطئة التي يلقن بها الأستاذ الطالب المعلومة والاعتماد على طريقة التعلم، وفيها الطالب هو من يصل للمعلومة ويتبناها، وفيما يخص المحتوى الإلكتروني على الانترنت أكدت دشاش تراجع المحتوى العربي بشكل ملحوظ وتحدثت بصورة موسعة عن ظاهرة التعلم عن بعد أو التعلم الذاتي وهي بحد ذاتها قد تكون جديدة في عالمنا العربي، وقدمت أمثلة من تجربتها الشخصية في هذا المجال، وذكرت عدداً من منصات التعلم الذاتي المهمة في هذا المجال منها منصة رواق العربية للتعليم المفتوح وهي أقدم منصة عربية تنشر المعرفة لجميع الأعمار دون شرط وتهتم بتقديم مساقات أكاديمية متنوعة وعديدة مجانية وباللغة العربية وهناك منصة نفهم: وتقوم على مبدأ المشاركة وتقدم خدمة تعليمية عبر فيديوهات تشرح المناهج المدرسية بشكل مبسط ومجاني من المواقع أيضاً موقع هندامي الذي يوفر أكثر من 1000 كتاب الكتروني وعشرات المقالات والتدوينات. والأكاديميات المتخصصة في مجالات الإعلام وتسويق المنتجات والخدمات وهي غير متاحة في سورية.
دعم المنصات التعليمية
وأكدت دشاش على أهمية توحيد الجهود وابتكار استراتيجيات ومشاريع جديدة لتحسين المحتوى الرقمي العربي والدعوة لدعم مشاريع المنصات التعليمية باعتبارها الأمل لإثراء المحتوى الرقمي العربي كداعم جديد لقضايا التعليم والتدريب في عالمنا العربي، وختمت دشاش بالحديث عن شروط نجاح الرقمنة في التربية والتعليم منها: تمويل كاف ومستدام – توظيف كاف ومستدام – الدعم النشط من إدارة المؤسسة – إشراك مجتمع وأفراد المؤسسة – التدريب الكافي لأفراد ومجتمع المؤسسة – التوافق مع إستراتيجية المؤسسة- دعم السياسات المناسبة والواضحة.
تلت الندوة مداخلات عديدة من الحضور.
جلال نديم صالح