أخبارصحيفة البعث

أي سر في اليمن؟؟… وهل سيوقظ اليمنيون التاريخ من سباته؟؟..

 

د. مهدي دخل الله

أذكر أنني كنت في عداد وفد حزبي شارك في حفل افتتاح سد مأرب الجديد قبل ثلاثة عقود تقريباً، وهو سد سطحي يقع بين جبال شاهقة، لكنه محاولة لإيقاظ التاريخ من سباته. فسد مأرب التاريخي كان فيضانه سبباً في هجرة القبائل إلى شمال الجزيرة وبلاد الشام وشمال إفريقيا، مشكّلين بذلك نواة التشكيلات القومية العربية، وهي الأمة التي تميّزت بعطائها الثقافي لعصور طويلة، ومازالت آثار هذه الثقافة متموضعة في الثقافات العالمية المعاصرة (مثلاً: جميع لغات العالم الحية وخاصة الروسية والإسبانية والانكليزية فيها حتى اليوم آلاف الألفاظ والمصطلحات مستعارة من اللغة العربية، وغالبيتها مصطلحات لأفكار وعلوم وليس مجرد تسمية للأشياء)..
كانوا يقولون عنه «اليمن السعيد» و«مقبرة الأناضول». أحد العارفين بتاريخ اليمن علّق عندما بدأت السعودية حربها على ذاك البلد: «لقد ارتكبت الرياض خطأً قاتلاً سوف تندم عليه»..
بعد الضربة المدهشة والمؤلمة لأرامكو شرق السعودية لا شك في أن هناك في الرياض من يعض أصابعه ندماً على قرار العدوان على اليمن، ولو أنه كان للحكمة أن تغلب في الرؤوس الحامية لتم اليوم إيقاف الحرب بقرار شجاع فيه خلاص السعودية واليمن معاً..
إرباك وضياع في التقييم السعودي والأمريكي لما حدث، وتبدو السعودية كبالع السيف ذي الحدْين في ادعائها بأن إيران هي التي قصفت أرامكو (وهذا ادعاء غير منطقي لأن إيران ليست مضطرة لمثل هذا العمل).. إن إعلان السعودية بأن إيران هي الفاعل يخلق مشكلة كبيرة للسعوديين، فإن هم ردوا على إيران بالمثل إنقاذاً لكرامتهم يكونون قد أشعلوا حرباً كبيرة سوف تضرهم أكثر مما تنفعهم، وإن هم سكتوا ولم يردوا فيكونون، إما مدعين كاذبين أو أنهم غير قادرين على الرد… والأمران أحلاهما مر!..
لو كنت محل القيادة السعودية لما أعلنت هذا الادعاء لأنه يضر بالسعودية ذاتها، ويضع ماء وجهها على المحك أمام خيارين صعبين…
كان البروفيسور من جامعة واشنطن برنارد رايخ من المعجبين بصلابة الشعب اليمني التي تتطابق مع صلابة تضاريس اليمن وجغرافيتها في دائرة واحدة اسمها (الأرض المستحيلة على الإخضاع). فمقبرة الأناضول والانكليز والطليان تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى مقبرة العدوان السعودي على الرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعه شعب اليمن.
قد يكون من أهم نتائج الحرب على اليمن هو فتح (الدفاتر القديمة) بما يُعرّض وحدة الأراضي السعودية للخطر. فمن المعروف أن جغرافيا اليمن تمتد إلى شمال عسير، وهي أرض ضمها عبد العزيز آل سعود إلى المملكة عام 1930، حيث نصّب حاكماً سعودياً على المنطقة، وانتهى الصراع على عسير عندما وقّع الإمام اليمني يحيى مع السعوديين معاهدة لتأجير عسير وجيزان ونجران إلى السعودية، وتجدد المعاهدة كل عشرين سنة.
يأسف البروفيسور برنارد رايخ على الخطأ الذي ارتكبه الإمام يحيى، ويقول: كان على الإمام محاربة السعوديين وتحويل بلاده مرة أخرى إلى مقبرة الغزاة تماماً، كما فعل اليمنيون مع الأتراك محوّلين بلادهم إلى مقبرة الأناضول!..
هل سيفتح اليمنيون كتاب التاريخ العالق هذا من جديد بعد انهزام السعودية القريب في بلادهم؟.. وهل سيوقظ اليمنيون التاريخ من سباته تماماً كما فعلوا مع سد مأرب؟؟.
.mahdidakhlala@gmail.com