طلال حيدر.. المديح في غير أهله
ليس غريبا أن يتنقل الشعراء في مواقفهم بين اليمين واليسار في ليلة وضحاها سعيا وراء مكاسب شخصية آنية، فقد عرف تاريخ الشعر العربي العديد من الشعراء المتكسبين، رياء، ممن باعوا ثمرة إبداعهم ببعض الدراهم والدنانير، فقد عرف عن النابغة الذبياني مثلا، تنقله، مدحا، بين قبيلتي الغساسنة والمناذرة، رغم ما عرف عنهما من خصومة وعداوة، وكذلك فعل الأعشى الذي قصد ملوك العجم طمعا بالعطاء، والحطيئة الذي أذل أهله من كثرة انحطاط شعره بالسؤال. ولعل مالئ الدنيا وشاغل الناس المتنبي، كان أبرز المداحين المتكسبين، كما عرف عنه، عندما مدح كافور الإخشيدي ونعته بصفات ليس أهلا لها، قبل أن ينقلب عليه في هجائه المعروف:
لا تشتري العبد الا والعصى معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد.
ولهذا لم يكن غريبا أن نسمع من شاعر تغنى في شعره بالمقاومة ونضال حركات التحرر العربي لتحرير فلسطين، صاحب قصيدة” لبسوا الكفافي ومشوا”، وقائل: “جيبو حدا من دمر يدقدق وشم… جيبو من الهامة.. والوشم بن محمّص وهب الهوا شامي”، أن يدبج قصيدة عصماء يمتدح فيها آل سعود ومن خلفه يقف من تآمر على المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وشارك في تدمير سورية، واليمن، والعراق وأشعل، بفضل شيوخه، وبترودولاره، الفتن الطائفية في البلاد العربية، ورغم كل ذلك يقف طلال حيدر شاعر العامية والكلام الجميل الذي غنت له فيروز أجمل الكلمات، ويقول شعرا بملك السعودية وولي عهده ويعدد مناقبه التي لم نعرف منها غير الغدر والخيانة والدم.
قد نسلّم أن يأتي مطرب كعاصي حلاني، مثلا، ويغني للمملكة وانجازات ملوكها، في عيدها الوطني، من أجل حفنة من الريالات النفطية، فهي بمحطاتها التلفزيونية وشركاتها الإنتاجية الفنية مصدر رزقه ورزق غيره من مغنين عرب مأجورين، لكن أن ينحدر شاعر كبير بنى مجدا من شعره ومحبة الناس له إلى هذا الدرك من الإسفاف والتكسب، ومحو كل تاريخه الإبداعي من أجل بعض المال، لعمري أنه أمر مؤسف ومستهجن ومستغرب ويضعنا في مواجهة مفترق خطير بين التشبث بالمبدأ والالتزام، أو إعادة مجد التكسب والبيع والشراء لمن يدفع مالا وعزوة..
لقد فاجأ الشاعر طلال حيدر الكثير من محبيه بوقفته المذلة تلك، وأثار استياءهم وحزنهم، أن يشاهدوا من رددوا كلمات قصائده المحكية والمغناة في خلواتهم ومناسباتهم، يبحث عن عبارات المديح بملوك ليسوا أهلا للمديح.
آصف إبراهيم