ثقافةصحيفة البعث

مسارات الغول

يسكن هناك في جبال قرمزية الشموخ، شامخة القامة والتاريخ، غول نباتي الطبع وديع في منظره، أليف في معاشرته أسنانه فصلية متلونة بحجم الطرائد التي يضعها تحت إبط غزوته وغايته على أبناء عشيرته وقومه من الغزلان والفراشات وحتى الدواب المسكينة، في الليل يمتطي سرير توحشه ويحلم بالكلمات والقصائد والأنهار والبوادي ويشفق على كل الأموات ترحما نادر الحبكة، فكل حلم يرفع راية توحشه عاليا ليحصي عدد النعاج والقطيع الباقين والذين مر عليهم دون عويلهم، مناجيا سياف طمعه تكبيرا لقطع رأس ما تبقى من الكلمات والحيوانات الجميلة قبل بزوغ الصباح ومغادرة أصحابه خفافيش الليل والأمل لمستقرهم، ليعود بطبيعته المظهرية الزائفة إلى المدافن لزيارتها في الفجر ليتلو عليها ما تيسر من سورة اللاحقين إليه في حلمه في عداد الذاهبين تباعا لقهره وسطوته، بينما يبقى الجميع لمقامه في النهارات مبجلين.

منبر
عند نهاية إحدى القصائد المروجة لمادة غذائية محلية الصنع وما تحققه وصانعها من امن وأمان لكل بطون الجائعين، تعثر ذاك التاجر المتثاقف الذي يلقي خطابه عند جملة حقيقة تسأل عن الشعب وحاله في زمن الحرب، وافرغ فاهه متلعثما وسقط المنبر فوق سؤاله ضاحكا على ورقه وأوراق من صفق لأمواله طيلة ذاك الزمن المرير، وسنوات القحل للعقول والضمائر والمنابر من معتقدات السلام وأطعمة الحق.

زمن مفقود
يرتدي الشهيد بزته المرصعة برائحة تراب البلاد وعرقه النصر، مكتسيا وجهه حمرة دمه الزكي الذي روى به أجساد النهارات، ويلوح للشفق عاليا ويديرها لبوصلة الشمس ليعرف مواقيت عودته لحضن أهله ومحبيه، فيصرخ شبح الليل وأتباعه قد هدرت من الوقت ضياعا في وجهة ساعاتك، أين يسرف كل هذا العمر؟ أين تقضى كل تلك الابتهالات حنينا ومناجاة لشغفك بالارتحال دفاعا عن حصن أرضك الحصين؟ فيصيح الشهيد أحياء نحن لا نموت، الآن ولدت.

مغالطة
تصيح النار في سويعات صفحات التاريخ والكتاب والمثقفين المدعين تبجيلهم للحبر ونياشين السلام تنظيرا لا فعلا يحفظ عرض الأيام ويصون أولادها من كل مغتصب، انزعوا أعواد الثقاب من أيديهم جميعا فقد غالطتم أقداركم حينما سلمتم وقود مصيركم لأولئك الكتبة، فلا يجب ترك المعالم لتلك الفصول وبوابات الأقلام بأيدي أولئك الجناة، قد ألتهم أنا كل الأخضر واليابس ويموت الأطفال بفعل وأمانة هؤلاء الطغاة, فاحذروا.

اتجاهات
تتمايل السفن في بحر الحقيقة باحثة عن مرفأ لتحط رحالها سلاما، فتضطرب الرياح والأشرعة بنداء لقبطان غارق في سكره هيا إلى سفينتي، فتجري الأمواج عكس سيره وتهب العواصف، ويختفي ضوء منارة الوصول، ويغرق بالقبطان وحده ويصل المسافرين كل إلى وجهته، الأشرعة تهب منادية الركاب والحمولة: لا خوف أبدا لا يضيع حق وراءه مطالب.

دموع
صلت كل الأشجار حُنوا لملاقاة غيث الحب كرامة لما تبقى من الأحياء على وجه ذاك الكوكب الأزرق، وفي صلواتها الاستسقاء، مسح الجب بصيرة يوسف ليخشع بدوره لشجرة الرمان مرارا وتكررا بعدد سنوات القحط، فقد سقته سابقا من دموعها عسل الحنان، وبقميصه المرتوي من سكرها تكاثرت السنابل مواسما وغناء، ومرت بعدها كل المراكب قوافل من فيض الخير يعطي مطرا للغيث وقمحا للأرض وعناوين للكواكب وتلاوة من تجاويد الامتنان لملح الشقاء، ناصرة سواعد كل الفقراء والأبناء، محررة إياهم من غضب السماء ووجه اسوداد الغيم حينما يقرعون طالبين العفو ثلجا واعتناء.

رؤية
بعد سبع من أضغاث أحلام استفاقت بصيرة ذاك الدرويش على أغنية، فأحيلت الأوزان توحيدا مع مجرة القلوب، ومن ذاك الوقت ظل ذاك الدرويش عاشقا يرقص مع كل شمس، ويشرق مواطنا للبلاغة، طهرا من كل سقم وعناية لوجه المارة من كل وباء، رجاء حول وجه السنوات شفاء، فأينعت استجابة زهور النصر والحب بطريقه والدرب.

إعادة إعمار
كتب ذاك العامل على لبنة احد الأبنية “ساعدي خلق ليعمر”، فهرعت الممحاة بسياطها عليه لتعيد مخالفته لقوانين البناء، ومرت تاركة هشيم الاسمنت وأغبرة الطرقات، فصاح الحجر لا يهم الركام، عليكم إعادة اعمار الإنسان لا الحجر كل ما تفعلونه إلى فناء.
رشا الصالح