ثقافةصحيفة البعث

“على سطح دمشق ونهري- بحري” في النادي السينمائي

 

” ربيتك وإنت زغير” الأهزوجة الفراتية كانت شاهدة على مشهد الموت في فيلم” نهري –بحري”الذي عُرض مع فيلم” على سطح دمشق”-إنتاج المؤسسة العامة للسينما_ ضمن فعالية النادي السينمائي في سينما الكندي بالتعاون مع مؤسسة أحفاد عشتار والمؤسسة العامة للسينما احتفاء بتجربة المهند كلثوم التي تطرقت بفنية رمزية إلى الحرب الإرهابية على سورية.
وبدت التقاطعات واضحة بين الفيلمين” نهري- بحري، وعلى سطح دمشق” –سيناريو سامر محمد إسماعيل بالمضمون والزمن الفعلي للحرب، وبتقنيات الإخراج وحركة الكاميرا الدائرية خاصة. ولم يحفل النادي السينمائي بالحضور الرسمي والجماهيري فقط، وإنما بنقاش متشعب ومطوّل طال تقنيات الإخراج.

من الفرات إلى البحر
منذ اللحظة الأولى لفيلم”نهري بحري” اتضحت رسالته التي تربط بين مياه الفرات ومياه البحر في إشارة إلى جغرافية سورية بكل مناطقها التي واجهت الحرب والموت والتهجير، فيختزل الفيلم بتكثيف كبير النزوح الجماعي لأهالي الرقة إلى الساحل السوري بالقرب من اللاذقية والاحتماء بجدران المدرسة وغرفها التي غدت مركز إيواء، وتمكنت كاميرا المهند كلثوم أن تشير بومضة إلى هذا الحدث وتصوّر الحياة البائسة للعائلات المهجرة، وتركز على انتظار لمّ الشمل، ليمضي إلى مسرح الأحداث البحر برمزية إلى سورية وإلى القارب المتمايل بعرض البحر، إلى اللقاء العاطفي بين الصياد وهب –عبد المنعم عمايري- والفتاة النازحة من الرقة_ سهير صالح- التي تحدثت بلهجتها الفراتية عن عذابات أهالي الرقة وتفرقهم وهجرة والدها إلى ألمانيا، لتمرر جملة قصيرة كان لها دور بالحدث المفاجئ”وأنا بخاف من البحر لأنه غدار، وأنا طفلة كنت أسبح بالفرات لما كبرت قالوا لي حرام” وعمل كلثوم على إيصال رسائله مع مياه البحر ودفتي القارب الخشبي الصغير حينما سمع صوت الطفلة الرضيعة التي تطفو على جسد أمها الميتة غرقاً، فيسارع لفك الشريط الجلدي وإنقاذ الطفلة برمزية إلى ما قام به الجيش السوري لإنقاذ الوطن والدفاع عنه، لكن الفتاة تصر على إنقاذ الأم التي حاول إقناعها بأنها ميتة لكنها لم تصغ له”حاول مرة ثانية” محاولات وهب قادته إلى النهاية إشارة إلى الضحايا الأبرياء من الجيش والمواطنين الذين ضحوا بأنفسهم لإنقاذ غيرهم، وتكتمل الصورة حينما تترك الفتاة على أرضية القارب بعدما تعلق هدية وهب القلادة الصدفية في عنقها وترمي نفسها بالبحر وتحاول إنقاذ وهب، لكن دوار البحر يلفهما بحركة الكاميرا الدائرية التي لخصت الحدث الرمزي، لتأتي اللقطة الأخيرة بشروق جديد على القارب المتماوج بعرض البحر يحمل الطفلة الناجية من الموت برمزية إلى البقاء والصمود والاستمرار رغم كل الخسائر، ليكون نهري بحري شاهداً على جنوح اللغة السينمائية للمهند كلثوم نحو الرمزية والابتعاد عن تقنية التوثيق بفنية مباشرة في بعض مشاهد فيلم”على سطح دمشق” الذي وثّق المرحلة الزمنية الصعبة التي عاشتها دمشق من خلال نشرات الأخبار التلفزيونية التي امتزجت مع الحدث الدرامي ونقل صورة أحداث الحرب بكل تفاصيلها.
وتطرقت كاميرا كلثوم من خلال الدرج إلى أحداث عاشها السوريون تمثلت بالهجرة بدلالة المنازل الفارغة، وبالخوف لدرجة الامتناع عن فتح الباب لأي طارق، وإلى حالات الزواج من امرأة غير سورية وهربها من الحرب والاختلاف على حضانة الطفل، وصولاً إلى السطح الذي شهد على الواقعة المفجعة باقتتال الأصدقاء وخنق الحبيب الذي يدافع عن حبيبته بخزان المياه ومحاولة ليليت رمي نفسها من السطح خوفاً من الرجلين، لتلف حركة الكاميرا الدائرية للمهند كلثوم أرجاء السطح وفضاءات دمشق وتتمكن ليليت من إنقاذ نفسها وتبقى ورود التوليب التي حملها الحبيب معاذ وصورتهما”السيلفي” على سطح دمشق في مواجهة الحرب.

أفلام تمثل الواقع
بعد العرض تحدث المهند كلثوم عن أهمية صناعة أفلام تمثل واقعنا وتوثق سنوات الحرب الطويلة وتضحيات الجيش العربي السوري وكل من دافع عن البلد من موقعه، جميعهم اشتركوا بالدفاع عن الوطن، ونوّه إلى الدور الهام الذي قامت به المؤسسة العامة للسينما باحتضان الأفلام خلال الحرب.
واختلفت آراء الحضور فطالت النقاشات مشهد اختناق البطل في فيلم على سطح دمشق وبعضهم رأى بأنه غير مقنع، ووجد آخرون أن مشهد النهاية بفيلم نهري بحري أيضاً غير مقنع بأن تبقى الطفلة بعرض البحر دون منقذ فكيف ترمز إلى الأمل؟.
ودافع المخرج كلثوم عن رؤيته الإخراجية مركزاً على أن السينما لغة إبداع، وفيها خروج عن المألوف برمزية مدروسة فالمقصود هو ترك الطفلة بمكان آمن، وأن أية فرضية سينمائية رمزية تتعرض لآراء متضاربة وهذه حالة إيجابية وصحيحة، أما فيما يتعلق بمشهد اختناق البطل بالخزان فهذا يعود إلى تقنية تكثيف الحدث ضمن تقنيات روائية الفيلم القصير.
وبيّنت المخرج المنفذ براءة زريق بأن السينما تحمل الكثير من الأفكار الغريبة التي يحللها المشاهد، وأوضحت الممثلة لارا بدري التي أدت شخصية ليليت في على سطح دمشق التقاطعات بينها وبين البطلة كونها طالبة وراقصة باليه وردت على النقد الموجه لها بحالة الخوف التي جسدتها، وهذا يعود إلى تباين السلوك في لحظة الهلع واقتراب الموت.
والتقت هذه الآراء مع إيجابية الشاعرة عدنة خير بيك التي أشادت بكاميرا كلثوم وجمالية اللقطات والتقنيات التي أوحت لها بأنها إزاء كاميرا عالمية، وأعربت السيدة شهيرة فلوح المدير العام لهيئة أبناء وبنات الشهداء عن سعادتها بالأفلام التي قدمها المهند كلثوم بما تمثله من قيم الشهادة. واقترحت جانسيت قازان عضو مجلس الشعب العمل على أفلام تتطرق إلى المصالحة الوطنية وجرحى الجيش السوري، وحالة الطوائف والقوميات الموجودة في بلدنا.
ونوهت د.أيسر ميداني مؤسسة أحفاد عشتار بأهمية عودة السينما عبْر الإعلام وعرض الأفلام بالتلفزيون، وإعادة بناء الفكر الإنساني فكر الأطفال والشباب باستثمار طاقاتهم الإيجابية، وشجعت العمل على إنتاج أفلام المصالحة الوطنية.
ملده شويكاني