هذا الفصل لا يعنيني
بمرور جولات الخذلان المطعمة بالفراق، أدركت أن هناك مواسم للحنين، تأتي بكل ثقة، تأتي بلا استئذان، وبلا مواعيد.
حذار هذا التوقيت بالذات، إنه الخريف، فصل الاحتمالات، السماء، الغيوم المخادعة، الليالي المترددة بمزاجية عالية .
الأيادي ممتلئة بكل شيء ماعدا الراحة، تمتد بلا لهفة نحو اللاشيء، فتظن نفسها امتلكت الكثير.. إنه موسم الندم على ما لم تفعل، وعلى ما فعلت أيضا.
سيل من الاعتقادات والصفقات التي امتنعنا عنها بلا سبب آنذاك، ربما للفضول الممزوج بالخوف، فانهمرت علينا كل هذه الخسارات.
وشوشات وهمسات مؤقتة، مواعيد هاربة من أصحابها، الفراغ سيد الموقف دائما،
إنه التكرار المضني، الروتين الهادئ، المندفع دون أدنى أذية.
الأماكن شاغرة وباردة بلا روح.. الشوق قد تجاوز منسوبه السنوي كما العادة في هذه الأوقات من الضجر.
حذار من فرط الحنين، لزوار القلب، الذين لم نحدد لهم يوما ساعات استقبال.
للأشخاص الذين حتى هذا الوقت، لم ولن نفهم كيف تسربوا من أيدينا، فقدونا وفقدناهم دون قصد.. للأحلام التي كنا نعيش على فتات أملها، والتي هربت منا، ناجية بجلدها من وجعنا.
حذار.. إنه موسم الوقوف عند عتبة محادثات أنهيناها بإرادتنا، إياكم والنبش العميق في هذه الأوقات المملّة، إنها ليست سوى بقايا كلمات، لم نقتنع بها أصلا، جرعات تخدير ليس إلا وتصحو من غيبوبتك الجميلة بكامل فراغك من كل شيء. إنه الوقت المثالي للاعتذارات المتأخرة، يشبه تماما توقيت ظهور بعضهم في حياتنا، لا نستطيع أن نحدد إطلاقا، هل نحن بحالة خوف، حزن، قلق، نقبل الشيء ونقيضه بذات اللحظة.. نقترب ونبتعد، نبعتد ونقترب، إنه زمن اللاوصول، والطرق المتعاكسة، وأفضل القرارات وأقساها.. إنه موسم التساقط، واللانضج، الإطالة، المماطلة والتذمر بلا سبب وبلا لزوم، رائحة الليالي المنتصرة على ذواتنا، إنه القلب البارد.. إنها أيام المطر الغريب المزاج، الذي يضرب على زجاج نوافذ القلب، ليحدث لدغات لا تشفى، وانجرافات وغرق، لا يشعر به إلاك، ولا يكترث له أحد.. تستطيع بلا أن يرف لك جفن، أن تتحدث بصوت عال، عن الذبول والتساقط، والأشياء التالفة.
هذا الفصل حقا لا يعنيني، وهذا الحنين لا أعلم لمن ولا أريد.ما من حيلة في هذا الوقت الثقيل، سوى التواطؤ على الاستمرار في الحب والحياة، كأبوين يجمعهما طفل مصاب بالشلل.
لينا أحمد نبيعة